Admin
20-05-2010, 04:33 AM
الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني
_____________
( رَدُّ المهديّ المنتظَر على أسد السُّنّة )
بَحثتُ في الكتابِ عن أسبابِ فشَلِ الرُّسلِ في إنقاذِ الأمّة جَميعًا فوَجدتُ في مُحكَمِ الكتابِ أسبابًا عِدّةً ..
بِسْمِ الله الرّحمن الرّحيمِ، والصّلاةُ والسَّلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمُرسَلِين وآله الطيّبين الطّاهِرين والتّابِعينَ للحقّ إلى يومِ الدِّين..
اعْلَم يا أسد السُّنّة إنّما يُريدُ الماحي للظلامِ أن يُقيمَ عليكَ الحُجّةَ بالحقّ لأنّكم أصلًا لا تنتَظرونَ نبيًّا جَديدًا اسمُه أحمد؛ فقد سَبقَ بَعثُه وهو ذاتُه محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والسُّؤال الذي يَطرَحُ نفسَه هو: لماذا مِن الأنبياء مَن يَجعلُ الله له اسمَينِ اثنينِ في الكتابِ؟ وذلك حتى تعلموا أنّ الله لم يَجعل الحُجّةَ في الاسم؛ بل في العِلم. وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٥٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الأعراف].
فما هو اسمُ الرّسول الذي يَجِدونَه في التّوراةِ والإنجيلِ؟ والجَوابُ في مُحكَم الكِتابِ: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿٦﴾} صدق الله العظيم [سورة الصف].
والسُّؤالُ الذي يَطرَحُ نفسَه: فما اسمُ الرّسول الذي أرسَلهُ اللهُ مِن بعدِ المَسيح عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ والجَوابُ في مُحكَم الكِتابِ: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴿١﴾ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴿٢﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴿٣﴾} صدق الله العظيم [سورة محمد].
والسُّؤالُ الذي كذلكَ يَطرَحُ نفسَه هو: هل رسولُ الله محمد - صلّى الله عليه وآله وسلّم - هو خاتَمُ الأنبياءِ والمُرسَلين؟ والجَوابُ في مُحكَمِ الكِتابِ: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴿٤٠﴾} صدق الله العظيم [سورة الأحزاب].
ولربّما يَوَدُّّ أحدُ السّائلينَ أن يُقاطِعَني فيَقول: "وكيف نعلمُ أنّ للأنبياءِ مِن اسمَينِ اثنينِ في الكِتابِ؟"، ومِن ثمّ يَرُدُّ عليه المهديّ المنتظَر وأقول: أفلا تَفتِيني أيّها السّائلُ مَن هو نبيّ الله إسرائيل ومَن هم ذُرِّيَّتُه؟ ثمّ يَرُدُّ علينا السّائل ويقول: "هذا شيءٌ مَعروفٌ باتّفاقِ كافّة أهل الكتابِ مِن اليهودِ والنّصارى والمسلمين أنّ نبيّ الله إسرائيل هو ذاته نبيُّ الله يعقوب، وبني إسرائيل هم ذُريّةُ أبنائه ويَتكوّنونَ مِن اثنَيْ عشَر قبيلةً، تصديقًا لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّـهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [سورة المائدة].
ويَتكوّنُ بنو إسرائيل مِن اثنَي عشَر قبيلةً (أُمَمًا) تصديقًا لقول الله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّـهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٦٠﴾ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴿٦١﴾} صدق الله العظيم [سورة البقرة].
وسَببُ وُجودِ بني إسرائيل هو لأنّ نبيّ الله يعقوب وهو ذاته نبيّ الله إسرائيل وسبَقَتْ هِجرَته إلى مصر هو وأهلُ بيتِه جميعًا بدَعوَةٍ مِن عزيز مصر؛ رسول الله يوسف بن يعقوب الذي ضاعَ منه مِن قبل، وقال الله تعالى: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩٣﴾} صدق الله العظيم [سورة يوسف].
فهاجَر نبيُّ الله يعقوب هو وأولاده إلى مصر ليَقطُنوا مع ابنِه يوسف عزيز مصر. وقال الله تعالى: {فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٩٦﴾ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴿٩٧﴾ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٩٨﴾ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ ﴿٩٩﴾ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿١٠٠﴾} صدق الله العظيم [سورة يوسف]، ومِن ثمّ عاشَ أولادُ يعقوب وأنجَبُوا اثنَيْ عشَر قبيلةً في مصر وهم بنو إسرائيل، وأفتَيناكَ أيّها المهديّ المنتظَر بالحقّ أنّ نبيّ الله إسرائيل في الكتاب هو ذاته نبيّ الله يعقوب".
ومِن ثمّ يَرُدُّ عليكم المهديّ وأقول: شكرًا لكَ أيّها السّائِل، فهل تَذكُر سُؤالكَ في أوّل هذا البيانِ بقولي: (ولرُبّما يَوَدُّ أحَدُ السّائلينَ أن يُقاطِعَني فيقول: وكيف نعلمُ أنّ للأنبياءِ مِن اسْمَينِ اثنينِ في الكِتاب؟)، ومِن ثمّ أَجبتَ على نفسِكَ وأثبتَّ بالبُرهانِ مِن مُحكَمِ القرآن أنّ نبيّ الله إسرائيل هو ذاتهُ نبيُّ الله يعقوب، وعليه فإنّ نبيّ الله أحمد هو ذاته محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
والسُّؤال: فما هي الحِكمةُ الحقّ أن جعَلَ الله لهم مِن اسمَينِ اثنينِ في الكتابِ؟ ومِن ثمّ يَرُدُّ عليكم المهديّ المنتظَر مُبَيِّنًا الحِكمَة بالحقّ: وذلك لكي يَعلمَ اليهود والنّصارى والأمّيّونَ المسلمون أنّ الله جعَل الحُجّةَ في العِلمِ وليسَ في الاسمِ لعلّكم تتّقونَ بأن بعَثَ الله لكم مَن يُعيدُكم إلى مِنهاج النُّبوَّةِ الأولى فزادَهُ الله عليكم بسطةً في العِلم وأن تَستَمسِكوا بحُجّة العِلم، فإن هَيمَنَ عليكم بعلمٍ وسُلطانٍ مِن لدُن حَكيمٍ عليمٍ فقد علِمتُم أنّ الله اصطفاهُ عليكم خليفةً ومَلِكًا وقائِدًا وإمامًا عليمًا ليَهديكُم إلى الصّراط المُستَقيم، وها هو قد حضرَ فبَعثَه الله إليكم في قدَرِه المَقدورِ في الكتابِ المَسطور يَدعوكُم وكافّة أهلِ الكتابِ والنّاس أجمعين إلى الدُّخولِ في الإسلام الذي جاءَ به رسول الله موسى عليه الصّلاة والسّلام، ولذلك قال فرعون حين أدرَكَهُ الغَرَق: {قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} صدق الله العظيم [سورة يونس: 90].
وأدعوكُم والنّاسَ أجمعين إلى دينِ الإسلام الذي جاءَ به رسول الله المسيح عيسى ابن مريم عليه الصّلاة والسّلام. وقال الله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٥٢﴾} صدق الله العظيم [سورة آل عمران].
وأدعوكُم والنّاسَ جميعًا إلى دينِ الإسلام الذي جاءَ به خاتَمُ الأنبياءِ والمُرسَلين جدّي محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - تصديقًا لقول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّـهِ فَإِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿١٩﴾} صدق الله العظيم [سورة آل عمران].
وتصديقًا لقول الله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٨٥﴾} صدق الله العظيم [سورة آل عمران].
ذلكم دِينُ الله الإسلام الذي بعثَ به جميع المُرسَلين مِن أوّلِ الرُّسلِ المَبعوثينَ بالكتابِ (نوح عليه الصّلاة والسّلام) فبَعثَه الله ليَدعو النّاس إلى دينِ الإسلام. وقال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّـهِ فَعَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ ﴿٧١﴾ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٧٢﴾ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ﴿٧٣﴾ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ﴿٧٤﴾ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿٧٦﴾ قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ﴿٧٧﴾} صدق الله العظيم [سورة يونس].
وقال الله تعالى لرَسوله إبراهيم: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٣١﴾} صدق الله العظيم [سورة البقرة].
ولذلك كان يُسَمّي أتباعَه بالمسلمين فهو دينه ودِينُ ذُرّيتِه الأنبياء؛ مِن ذُريّتِه (إسماعيل وإسحاق ويعقوب)، تصديقًا لقول الله تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٣﴾} صدق الله العظيم [سورة البقرة].
وهو دِينُ رسول الله موسى وهارون عليهما الصّلاة والسّلام. وقال الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّـهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ﴿٨٤﴾} صدق الله العظيم [سورة يونس].
وهو دِينُ رسول الله داوود وسليمان عليهما الصّلاة والسّلام، ولذلك يَدعو النّاس إلى دِين الإسلام كما تبيّنَت لكم دَعوتُه في رسالة نبيّ الله سليمان - عليه الصّلاة والسّلام - إلى مَلكة سبأ: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾} صدق الله العظيم [سورة النمل]. ولذلك حين أسلمَت مَلكةُ سبأ لله ربّ العالَمين قالت: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} صدق الله العظيم [سورة النمل: 44].
وأنا الإمام المهديّ خاتم خُلفاءِ الله أجمعين لم يَجعَلني الله مُبتدِعًا؛ بل مُتّبعًا أدعو الأمّيِّين والنّصارى واليهود والنّاس أجمعين إلى دِين الإسلام الذي بعثَ الله به كافّة الأنبياءِ والمُرسَلين ولا اُفرّقُ بين أحدٍ مِن رُسله وأنا مِن المسلمين لله ربّ العالَمين وَحدَهُ لا شَريكَ له، أدعُوكم إلى عبادَةِ الله وَحدَه لا شريكَ له ومَن أشركَ بالله فقد حَبِطَ عمَله وهو في الآخرةِ لمِن الخاسِرين، لذلك أدعو النّاس أجمعين إلى كلمةٍ سَواءٍ أن لا إله إلّا الله وحدَه لا شريكَ له؛ فلا يتّخِذ بعضُنا بَعضًا أربابًا مِن دون الله ولا يَدعو بَعضُنا بَعضًا مِن دُونِ الله، فلا تَدعوا مع الله أحَدًا فتَكونوا مِن المُعذَّبينَ فلن يُغنِي عنكم المهديّ المنتظَر وكافّة الأنبياء والمُرسَلين لئِن بالَغتُم في أمرِنا بغيرِ الحقّ، واعلَموا أنّ جميع الأنبياءِ والمُرسَلين والمهديّ المنتظَر لم يُفضِّلهم الله عليكم إلّا بالتّقوَى لأنّهم اتّقوا الله فلم يَعبُدوا سِواهُ ونَتنافَسُ جميعًا إلى الله أيّنا أحبُّ وأقرَب، فإن استَجبتُم لِما يُحْيِيكُم فاتّبعتُم دَعوَة كافّة الأنبياءِ والمُرسَلين والمهديّ المنتظَر إلى عبادَةِ الله وَحدَه لا شَريكَ له وكنتم معَنا ضِمنَ عَبيدِه المُتنافِسينَ في حُبّ الله وقُربِه أيّهُم أقرَبُ فقد اهتَديتُم وأخلَصتُم عِبادَتكم لله ربّ العالَمين واعتَرفتُم أنّ جميع الأنبياءِ والمُرسَلين عبادٌ لله أمثالكم، وإن أبَيتُم وقلتُم هيهات هيهات يا ناصر محمد اليماني! وقال النّصارى: "فكيف تُريدُنا أن نُنافِسَ رسول الله المسيح عيسى ابن مريم في حبّ الله وقُربِه وهو ابنُ الله شَفيعنا يومَ الدّين يَومَ يقومُ النّاس لربّ العالَمين!"، وإن قال المسلمون: "مهلًا مهلًا يا ناصر محمد اليماني إنّك كذّابٌ أشِر ولستَ المهديّ المنتظَر، فكيف تُريدُنا أن نُنافسَ سيِّدَ الأنبياءِ وخاتَم المُرسَلين (محمد رسول الله) في حبّ الله وقُربِه؟ بل هو شَفيعُنا يومَ الدّين يومَ يَقومُ النّاس لربّ العالَمين، فلا يَنبغِي لنا نحن المسلمون أن نُنافِسَ نبيّنا في حُبّ الله وقُربِه! فقد أشرَكتَ بالله يا ناصر محمد اليماني يا مَن تدعو المسلمين والنّصارى واليهود أن يُنافِسُوا أنبياءَهم ورُسُل ربّهم في حبّ الله وقُربِه وهم الشُّفعاء يَوم الدّين لأنّهم عبادُ الله المُكرمونَ والمُقرَّبونَ". ثمّ يرُدّ عليكم المهديّ المنتظَر وأقول: إذًا قد أشرَكتُم جميعًا بالله ربّ العالَمين، وسوفَ تعلمونَ هل يَنفَعُونكم بين يَدي الله يومَ لا يَنفع مالٌ ولا بَنونٌ إلّا مَن أتَى الله بقَلبٍ سَليمٍ مِن الشِّرك بالله ربّ العالَمين؟ تصديقًا لقول الله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿٨٨﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿٨٩﴾} صدق الله العظيم [سورة الشعراء]، يومَ لا تَملكُ نفسٌ لنفسٍ شيئًا تصديقًا لقول الله تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّـهِ ﴿١٩﴾} صدق الله العظيم [سورة الانفطار]، يومَ لا يَتجرَّأُ نبيٌّ ولا رسولٌ أن يتقدَّمَ بين يدي الله طالِبًا مِن ربّه الشفاعة للمُشركينَ الذين يَرجونَ شفاعتَهم بين يدَي الله تصديقًا لقول الله تعالى: {فَمَن يُجَادِلُ اللَّـهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} صدق الله العظيم [سورة النساء: 109].
وقوله تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿٥١﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنعام].
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٥٤﴾} صدق الله العظيم [سورة البقرة].
وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴿٤٨﴾} صدق الله العظيم [سورة البقرة].
وقوله تعالى: {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} صدق الله العظيم [سورة الأعراف: 53].
وقوله تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا} صدق الله العظيم [سورة الأنعام: 70].
وقوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ} صدق الله العظيم [سورة يونس: 18].
ولربّما يَوَدُّ أن يُقاطِعَني أحَدُ فطاحِلة علماء الدّين المسلمين ويقول: "إنّما يَقصدُ عبَدَة الأصنامِ الذين يَدعونَهم مِن دُونِ الله". ثمّ يَرُدّ عليكم المهديّ المنتظَر: فوالله لا فَرقَ بين مَن يدعو صنَمًا أو يَرجُو الشفاعة بين يدَي الله مِن أحَدِ عبادِه المُرسَلين أو الصّالِحين المُكرّمين - سبحان الله العليّ العظيم عمّا تُشرِكون وتعالى علُوًّا كبيرًا- فهذا مُناقِضٌ لصِفاتِ الله - سُبحانَه وتَعالى عُلوًّا كبيرًا - أن يَشفَعَ عبدٌ بين يَدي الربِّ المَعبودِ الذي هو أرحمُ الرّاحمين مِن عبيدِه أجمعين، فلا يَنبغِي أن يتَجرّأ عبدٌ للشفاعة بين يدَي الله أرحم الرّاحمين، فكيف يكون ذلك؟ فهل هو أرحَمُ مِن الله أرحَم الرّاحمين سُبحانَه وتعالى عُلوًّا كبيرًا؟! فمَن كان يَرجو الشفاعة بين يدَي الله مِن عبدٍ فقد كفَر بِبَيانِ الله: {{هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}} [سورة يوسف: 64]، ألا وإنّ حُجّة الله عليكم هي رحمتُه التي كَتبَ على نفسِه إن كنتم تؤمنون أنّ الله هو أرحَم بكم مِن عبادِه، لأنّ الله أرحم الرّاحمين فلا يَنبغِي أن يكونَ هناك عبدٌ هو أرحمُ بكم مِن الله، تصديقًا لقول الله تعالى: {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّـهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنعام].
وقوله تعالى: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴿١٤٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنعام].
بلى وربّي لقد خَسِروا أنفُسَهم الذين لا يُؤمنون أنّ الله هو أرحمُ الرّاحمين، فانظروا إلى دَعوةِ أصحابِ الأعرافِ هل تَجدونَهم يَرجُونَ في ذلك اليوم عبدًا يَشفعُ لهم بين يَدي الله؟ بل قالوا: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴿٤٦﴾ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٤٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الأعراف]، ومِن ثمّ جاءَ الردُّ عليهم مِن الله أرحم الرّاحمين وقال لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} صدق الله العظيم [سورة الأعراف: 49].
ولكنّ أصحابَ النّار يَلتَمِسُونَ الشّفاعة مِن مَلائكةِ الرّحمن. وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ ﴿٤٩﴾} صدق الله العظيم [سورة غافر]، فانظروا لردِّ الملائكة المُقرَّبينَ إلى أصحابِ النّار: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴿٥٠﴾} صدق الله العظيم [سورة غافر]، فهل تعلمونَ البيانَ الحقّ لقول الله تعالى: {قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} صدق الله العظيم؟ أي ادعُوا الله وحدَه لا شريكَ له وما دُعاءُ المُشركينَ إلى عِبادِه المُقرَّبينَ إلّا في ضَلالٍ، وذلك لأنّهم يُريدونَ مِن ملائكةِ الرّحمنِ المُقرَّبينَ أن يَدعوا لهم ربّهم أن يَرحمَهم فيُخفّفَ عنهم ولو يومًا واحِدًا مِن عذابِ جهنّم، ولكنّهم لم يَدعوا الله فيقولوا: ربّنا ظلمنا أنفُسَنا، فإن لم تَغفِر لنا وترحَمنا لنكوننّ مِن المُعذَّبينَ في نار جهنّم خالدين.
والسُّؤال هو: لماذا لم يَدعوا ربَّهم الذي هو أرحَم بهم مِن ملائكتِه المُقرّبين؟ والجواب تجِدونَه في مُحكَم الكتابِ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴿٧٤﴾ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴿٧٥﴾ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ﴿٧٦﴾} صدق الله العظيم [سورة الزخرف].
فهل تَعلمونَ البيانَ الحقّ لقول الله تعالى: {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} صدق الله العظيم؟ أي يائِسُونَ مِن رحمَةِ الله، ولذلك فهُم في العذابِ خالِدون بسببِ يأسهم مِن رحمةِ الله أرحم الرّاحمين. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ وَلِقَائِهِ أُولَـٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [سورة العنكبوت].
ويا عبادَ الله؛ إنّي عبدُ النّعيم الأعظم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني الخَبيرُ بالرّحمنِ في مُحكَم القرآن أعِظُكُم وأقولُ لكم في أنفُسِكم قَولًا بَليغًا، فلو أنّ لأحدِكم أولادًا عَصوهُ ألف عامٍ ثم ماتوا وأبوهم غاضِبٌ عليهم فلم يُطيعوا له أمرًا ثمّ أدخَلهم الله النّار ثمّ اطّلعَ عليهم أبَوَاهِم فرأوهُم يَصطَرخُونَ في نار جهنّم، فتصَوّروا كم مَدَى الحَسرةِ في قُلوبِ هذين الأبَوَين على أولادِهم مهما كان عِصيانُهم لوالِدَيهم، فحتمًا تكونُ حسرَتهم على أولادِهم الذين يُشاهِدانهم يَصطَرِخونَ في نار جهنّم فحتمًا تَجِدونَ أنّ الحسرةَ في أنفُسِ الوالدَين على أولادِهم لَشَيءٌ عظيمٌ يَعلَمُها كلّ مَن له أولادٌ؛ أنّ حَسرَته حقًّا لا شكّ ولا رَيب سوفَ تكونُ عظيمةً في نفسِه على أولادِه المُعذَبين، ومِن ثمّ يقولُ لكم الإمام المهديّ: فإذا كان هذا هو حالُ حَسرَتِكم على أولادِكم المُعذَّبين فما ظنّكُم بحَسرةِ مَن هو أرحَم بأولادِكم منكم الله أرحَم الرّاحمين؟! فإنّي أجِدُه يَتحسّرُ على عِبادِه أجمعين الذين كذَّبوا بِرُسلِ ربّهم فأهلَكهم مِن غيرِ ظُلمٍ بل ظلَموا أنفُسَهم، وبرغمِ ذلك تَجِدونَ الله أرحم الرّاحمين يتَحسّرُ على عِبادِه الذين ظلَموا أنفُسَهم، وقال الله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [سورة يس].
ويا معشَر أنصار المهديّ المنتظَر عبد النّعيم الأعظم ناصر محمد اليماني، كونوا القوم الذين وَعدَ الله بهم في مُحكَمِ كتابه في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} صدق الله العظيم [سورة المائدة: 54]، واعلَموا أنّي لو أقولُ لكافّة المسلمين: هل تُحبُّونَ الله بالحُبّ الأعظمِ مِن كلّ شيءٍ في الدنيا والآخرة؟ فسوفَ يقولون جميعًا: اللهمّ نعم، ومِن ثمّ أرُدّ عليهم وأقول: لقد أفتاكم المهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني بالبُرهانِ المُبينِ مِن مُحكَم القرآن العظيم أنّ الله ليسَ سعيدًا في نفسه بسببِ ظُلمِ عِبادِه لأنفُسِهم الذين كذّبوا رُسلَ ربّهم الذين يَدعونَهم إلى الله ليَغفِر لهم فأعرَضوا عن رُسلِ رحمَتِه: {وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴿٩﴾ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ} صدق الله العظيم [سورة إبراهيم: 9 - 10].
ومِن ثمّ يُهلِكهُم الله بسببِ إعراضِهم عن رحمَة الله وعَفوِهِ وغُفرانِه لعبادِه، ومِن ثمّ يُهلِكهُم الله وبرغمِ ذلك يَقولُ: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [سورة يس].
فما دامَ عبدُ النّعيم الأعظم الإمام المهديّ الخبير بالرّحمن قد أفتَاكُم بالحقّ؛ فمَن كَفَر بهذه الفتوَى الحقّ فقد كفرَ أنّ الله {{هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}}، وأمّا الذين شَهِدُوا بالحقّ أنّ الله هو حقًّا أرحمُ الرّاحمين ثمّ يقولون: وبما أنّ الله هو حقًّا أرحَم الرّاحمين فحَتمًا لا بُدَّ أنّه مُتَحسِّرٌ على عِبادِه الذين ظَلموا أنفُسَهُم في جميع الأمَم، ومِن ثمّ صدّقوا فتوَى المهديّ المنتظَر بهذه الحقّيقة الكُبرَى في مُحكَم كتابِ الله القرآن العظيم فوَجدُوا أنّ ربّهم - سُبحانَه وتعالى عُلوًّا كبيرًا - حقًّا مُتَحسِّرٌ على عبادِه الذين ظَلمُوا أنفسَهم ويقول: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم.
ومِن ثمّ يقولون: "إذًا يا حَسرَتنا على نعيمنا الأعظم مِن جنّة النّعيم".
ومِن ثمّ يقولون: "فلِمَ خَلقتَنا يا إلهَ العالَمين؟ فإن رَضيتَ عنّا فهذا ليسَ إلّا جُزءًا مِن نَعيمِ رِضوانِ نفسِكَ على عِبادِكَ ولن تكونَ راضِيًا في نفسِكَ حتى تُدخِلَ عِبادَكَ في رَحمَتِكَ يا مَن وَسِعتَ كلّ شيءٍ رَحمةً، وبعد أن علّمَنا الإمام المهديّ بهذه الحقّيقة الكُبرَى والنّبأ العظيم أنّ أحبّ شيءٍ إلى أنفُسِنا (الله ربّنا) لم يَكن سعيدًا في نفسِه وكان مُتحَسِّرًا على عبادِه الذين ظَلموا أنفُسَهم لأنّه الله أرحم الرّاحمين؛ مَنْ هو أرحمُ بعبادِه مِن كافّة الأنبياءِ والمُرسَلين ومِن المهديّ المنتظَر ومِن ملائِكتِه المُقرَّبين ومِن خَلقِه أجمَعين، وعليه فكيف نكونُ سُعَداء بالحُور العِين وجنة النّعيم وحَبيبُنا الله ربّ العالَمين ليسَ بِسَعيدٍ في نفسِه بسببِ ظُلمِ عبادِه لأنفُسِهم؟ فسُحقًا لِجنّة النّعيم والحُورِ العِين؛ بل نُريدُ تَحقيقَ النّعيم الأعظم مِن الحُورِ العين وجنّة النّعيم وهو أن يكونَ الله راضِيًا في نفسه ليس مُتَحسِّرًا ولا غَضبانًا على عِبادِه، فإذا لم تُحقّق لنا النّعيم الأعظم مِن جنّة النّعيم فلِمَ خلقتَنا يا إله العالَمين؟ فنحن لا نُحاجّكَ في عبادِكَ فلسْنا أرحَم بعِبادِكَ مِنك سُبحانكَ وتَعاليتَ عُلوًّا كبيرًا! فلا يَنبغِي لعبدٍ أن يكون هو أرحمُ بعِبادِكَ منكَ سُبحانك وتَعاليتَ عُلوًّا كبيرًا! لأنّك أنت الله أرحمُ الرّاحمين فلا يُوجَد في عبادِكَ مِن هو أرحمُ بعِبادِكَ منكَ سُبحانكَ وتَعاليتَ عُلوًّا كبيرًا! يا مَن كتبَ على نفسِه الرّحمة إنّك قلتَ وقَولُكَ الحقّ المُبين: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} صدق الله العظيم [سورة يونس: 99].
اللهم إنّ الجاهِلينَ يظنّون أنّ حِكمَتكَ اقتَضَتْ أن تَهدي فريقًا فتَجعَلهُم في الجنّة وتُضِلّ فريقًا فتَجعَلهُم في النّار وذلكَ لأنّهم قَومٌ لا يَفقَهون، فقد وَصَفوكَ بالظُّلم وكفَروا بقَولِكَ الحقّ في مُحكَم كِتابك: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿٤٤﴾} صدق الله العظيم [سورة يونس]، وذلك لأنّهم لا يَعلَمونَ البيانَ الحقّ لقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} صدق الله العظيم، أي لو شاءَ الله بِقُدرَتِه أن يَهدي أهل الأرضِ جميعًا فإنّه لا يُعجِزُه ذلك سبحانه وتعالى عُلوًّا كبيرًا، إنّ الله على كلّ شيءٍ قدير، تصديقًا لقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} صدق الله العظيم [سورة الأنعام: 35]".
ولربّما يَوَدُّ أن يُقاطِعَني فُطحُولٌ مِن عُلماءِ الأمّة فيقول: "إذًا لماذا لم يَهدِهِم الله؟". والجوابُ يأتيكَ به صاحِب عِلم الكتاب تَجِدهُ في قولِ الله تعالى: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}صدق الله العظيم [سورة الشورى: 13]، فمَن أنابَ إلى الله هدَى قلبَه إلى الصِّراطِ المُستقيم وتلكَ، هي حُجّةُ الله على عبادِه الذين لم يَهدِ الله قُلوبَهم إلى الصِّراط المُستقيم لأنّه علّمَهُم في مُحكَم كتابِه كيف يَهدِيهم الله. وقال الله تعالى: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} صدق الله العظيم.
وأعلنَ الله بهذه الفَتوَى لكافّة عبادِه لمَن يُريدُ مِن ربّه أن يَهدِي قلبَه، وقال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٥٣﴾ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ﴿٥٤﴾ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴿٥٥﴾ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّـهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴿٥٦﴾ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّـهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿٥٧﴾ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٨﴾ بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿٥٩﴾} صدق الله العظيم [سورة الزمر].
ولذلك فإنّي المهديّ المنتظَر أُبرّئُ اللهَ - سُبحانه - مِن أن يَظلِمَ أحدًا تصديقًا لقول الله تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} صدق الله العظيم [سورة الكهف: 49]، فأنيبُوا إلى ربّكم يا عبادَ الله ليَهدِي قلوبكم فإنّ الله يَهدِي القُلوبَ المُنيبَة تصديقًا لقول الله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴿٣١﴾ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴿٣٢﴾ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴿٣٣﴾ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴿٣٤﴾ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴿٣٥﴾} صدق الله العظيم [سورة ق].
فهل تَعلمونَ مَن هو الأوّاب؟ إنّه ذلك العبدُ الذي تابَ إلى ربّه وأنابَ ليَغفِرَ الله له ذَنبه فيَهدي قلبه فَيُكَرِّه إليهِ الكُفرَ والفُسُوقِ والعِصيان، وقال الله تعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴿٢٥﴾} صدق الله العظيم [سورة الإسراء]، وذلك لأنّ الله لا يُغيِّرُ ما بِقَومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفُسِهم، تصديقًا لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} صدق الله العظيم [سورة الرعد: 11]، فإن زاغُوا عن الحقّ فأعرَضُوا عن العَقلِ والمَنطِق واتّبَعُوا الاتّباعَ الأعمَى بغَيرِ عِلمٍ مِن الله، فمَن زاغَ عن الحقّ أزاغَ الله قلبَه فيَزيدَه ضَلالاً إلى ضَلالِه، تصديقًا لقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّـهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٥﴾ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿٦﴾ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الصّف].
وذلك لأنّ الإنسانَ قد أمدَّهُ اللهُ بعَقلٍ وسَمعٍ وبصَرٍ، وبَعثَ إلى النّاسِ رسُله ليَهدوهُم إلى طريق الحقّ ويَهدوهُم إلى طريق الضّلال ليَجعَل الإنسانَ مُخيَّرًا، ثم يُسيِّرُه الله إلى الطريق التي اختارَها وجعَل اللهُ الإنسانَ أمامَ نَجدَين اثنين، تصديقًا لقول الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴿٨﴾ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴿٩﴾ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴿١٠﴾} صدق الله العظيم [سورة البلد].
فإن استَشارَ عَقله الذي أمدَّهُ الله به فإنّ عقلَ الإنسان مُستَشارٌ أمينٌ لا يَخونُ ربّه ولا صاحِبَه، فلو يقول: يا عَقلي مَن تَرى أنّه أحقُّ بعِبادَتي له؟ لقال عَقلُه: الأحقُّ بعِبادَته وَحدَه لا شريكَ له الله الذي فَطرَك وفطَر السّماواتِ والأرض، فهل بعدَ الحقّ إلّا الضّلال؟ ولكن إذا لم يَستَخدِم عقلَه وزَعمَ أنّ الذين مِن قَبله هم الأعلَم وهم الأحكَم منه ثمّ يتّبِعهم الاتّباعَ الأعمَى مِن غير أن يَستَخدِم عقلَه شيئًا؛ بل دائمًا يتّبعُونَ الاتّباع الأعمَى، فانظروا إلى فِكْرِ رسول الله إبراهيم - عليه الصّلاة والسّلام - فأرادَ أن يَستخدِم قومَه عُقولَهم علّهُم يُبصِرونَ الحقّ أنّهم على ضَلالٍ مُبين ولذلكَ قامَ بتَحطِيم الأصنامِ جميعًا إلّا صنمًا واحدًا ترَكَه وجعَل الفأسَ في عُنقِ الصَّنمِ حتى إذا قالوا له: {قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٢﴾ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴿٦٣﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنبياء]، ومِن ثمّ رجَع قومه إلى التّفكيرِ مع أنفُسِهم صامِتين كلّ منهم يتفكّر فنُكسُوا رُؤوسَهم مُطرقِينَ في التَّفكيرِ فأفْتَتهُم عُقولُهم بالحقّ: {فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنبياء].
وإنّما ذلكَ حَدثَ في أنفسهم ردًّا على أنفُسِهم مِن عُقولِهم: {فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾} صدق الله العظيم، ثمّ رفَعُوا رُؤوسَهم مِن بعدِ التّفكيرِ وقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ} صدق الله العظيم [سورة الأنبياء: 65]، ومِن ثمّ حاجّهم إبراهيم بالعَقلِ والمَنطِق وقال: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴿٦٦﴾ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنبياء]، ولكنّ قومَه أخذَتهُم العِزّة بالإثم بسببِ قولِ إبراهيم {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾} برغم أنّه كادَ أن ينجَحَ في هِدايَتِهم إلى الحقّ بتَشغِيلِ عُقولِهم ولكن أغضَبهُم قَولُ خليل الله إبراهيم: {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾} صدق الله العظيم، ولذلك قالوا: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴿٦٨﴾ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴿٦٩﴾ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴿٧٠﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنبياء].
بل كادَ خليل الله إبراهيم أن يَجعَلهم يَهتَدونَ إلى الحقّ بِحِكمَة تَشغيلِ عُقولِهم بالتَّفكير، فلو استَمرّ في تِلكَ اللحظةِ بإقناعِهم بالحِكمَة والمَوعِظةِ الحَسَنة لهَداهُم بمُساعَدَة عُقولِهم التي حَكَمَتْ بينهم وبين إبراهيم بالحقّ {فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾}، أي إنّكم أنتم الظّالمون وليسَ إبراهيم، فكيفَ تَعبُدونَ أصنامًا لا تَنطِقُ ولا تَضُرّ ولا تَنفَع ولا تُدافِعُ عن نفسِها؟ فكيفَ تَدفَع عنكم السُّوء؟
ولربّما الجاهلون يُودُّ أحدُهم أن يُقاطِعَني مِن الذين يُبالِغونَ في الأنبياءِ بغيرِ الحقّ فيقول: "حتى خليل الله إبراهيم سوفَ تُخطِّئُه يا ناصر محمد اليماني؟"، ومِن ثم يَرُدّ عليه الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: كلّا يا قوم، وإنّما ذلك بَحثُ المهديّ المنتظَر في الكتاب؛ لماذا الرُّسل لم يَستَطيعوا أن يَجعَلوا النّاس أمّةً واحدةً على صِراطٍ مُستقيمٍ؟ بل هَدوا فريقًا وفريقًا أعرَضُوا عن الحقّ، ولكنّ الإمام المهديّ مُكلّفٌ ليَجعَلَ النّاسَ بإذن الله أمّةً واحدةً على صِراطٍ مُستقيمٍ، ومِن ثمّ بَحثتُ في الكتابِ عن أسبابِ فشَلِ الرُّسل في إنقاذِ الأمّة جميعّا فوَجَدتُ في مُحكَم الكتابِ أسبابًا عدّةً كما يلي:
حَسرَةُ الرُّسُل على النّاسِ أنسَتهُم تَحسُّرَ الله على عِباده؛ الذي هو أرحمُ بهم مِن رُسله سُبحانه وتعالى علوًّا كبيرًا، وقد أخطأ رسول الله نوح - عليه الصّلاة والسّلام - فخالَفَ أمرَ الله إليه: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} صدق الله العظيم [سورة المؤمنون: 27]، حتى إذا غرقَ مَن كان يَظُنّ أنّه ابنه مع قومِه فلم يَستَطِع الصّبرَ مِن شِدّة التَحسُّر في قلبِه على وَلَدِه فخاطَبَ ربّه: {فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} صدق الله العظيم [سورة هود: 45]. ولكن جاء الردٌّ مِن الله يَصِفُ نوحًا بالجهلِ، وقال الله تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٤٦﴾} صدق الله العظيم [سورة هود].
وذلك لأنّ الله في تِلكَ اللحظةِ التي يُخاطِبه فيها نبيّه وهو يُحاوِلُ التَّشفّع لوَلدِه فيَشكو إليه أنّه وَلده فهو الأب (فأنت تَعلَمُ رحمةَ الأب بوَلده) ويُحاجّ الله بوَعدِه برَحمتِه بنوح فنَسِيَ في تِلكَ اللحظة حسرَة مَن هو أعظَمُ مِن حَسرَة نوحٍ على وَلَدِه؛ اللهُ أرحم الرّاحمين، ولذلك جاءَ الردُّ مِن الله قَويًّا إلى نوحٍ فيَعظه أن يكون مِن الجاهِلين أي مِن الجاهِلين بربّه، كما وَعَظَ محمدًا رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - حينَ كان يَتحسّرُ على العبادِ حتى كادَ أن يُذهِبَ نفسَه عليهم حسَراتٍ فيَتمنّى مِن ربّه أن يُمِدَّهُ بآيةٍ حتى يُصَدّقوهُ فيَتّبِعوا الحقّ، ولذلك قال الله تعالى لنبيّه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} صدق الله العظيم [سورة الأنعام: 35].
وبالنِّسبة لنوح - عليه الصّلاة والسّلام - فأدرَكَ شيئًا مِن خطَئِه وهو أنّه خالَفَ أمرَ ربّه لأنّه أمرَهُ مِن قبل أن يُغرِقَهم أن لا يُخاطِبَه في الذين ظَلموا أنّهم مُغرَقون، وقال الله تعالى: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} صدق الله العظيم [سورة هود: 37].
ولكنّ رسول الله نوح - عليه الصّلاة والسّلام - مِن شِدّةِ تَحسُّرِه على ولَدِه نَسِيَ أمرَ ربّه ثمّ تابَ وأنابَ واستَغفَر كمِثل استِغفارِ خليفة الله آدم مِن قبل، وقال رسول الله نوح عليه الصّلاة والسّلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٤٧﴾} صدق الله العظيم [سورة هود].
فتِلكَ أخطاءٌ يَستَفيدُ منها المهديّ المنتظَر، وذلك لأنّه يَبحثُ بإذن الله في مُحكَم كتابِ الله عن أسبابِ فَشَلِ الأنبياءِ مِن أن يَجعَلوا النّاس أمّةً واحدةً جميعًا على صِراطٍ مُستقيم، فتَوَصّلتُ إلى أنّه لا يُمكنُ أن يَهتَدوا بسببِ إرسالِ مُعجزاتِ التّصديقِ بسببِ عقيدةِ الكفّار، وكذلكَ الأنبياء يَعتَقِدونَ أن لو يُؤيِّدهُم الله بآياتِ التّصديقِ فإنّ قَومهُم سوفَ يُصدّقونَ فيَتبِعونَهم، ولذلكَ قال الله لجدّي محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴿٣٤﴾ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٣٥﴾ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴿٣٦﴾ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللَّـهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنعام].
ولكنّ الله يَعلمُ أنّه لو يمدّ جدّي بآياتِ التّصديقِ كمُعجِزاتِ الأنبياء مِن قَبله فإنّهم سوفَ يَكفُرونَ بها ويَقولون: "بل هي سِحرٌ مُبينٌ"، ومِن ثمّ يَدعو عليهِم محمدٌ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - كما فعَل الأنبياءُ مِن قبل، ثمّ يُهلِكُهم الله وما بَلغُوا مِعشَارَ القرآن العظيم، ولكنّها رحمةٌ مِن الله أن لم يُؤيّدهُ بمُعجِزاتِ التّصديقِ لأنّه يَعلمُ أنّهم سوفَ يُكَذِّبون حتى لو أخذَهم محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - جميعًا فعَرجَ بهم بإذن الله حتى فتحَ لهم بابًا مِن السماء السّابِعة لِيَختَرِقُوا إلى جنّة المَأوَى فانظروا ما كانوا سَوفَ يقولون، وقال الله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ﴿١٤﴾ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم [سورة الحجر].
إذًا يا معشَر الأنصار؛ فلا تَرجُوا مِن الله أن يُمِدَّكُم بآياتِ المُعجِزاتِ فلن يَهتَدوا بها إذًا أبدًا ما دامُوا طلبُوها هم بِزَعمِهم أن لو يُؤيّدُ اللهُ الدَّاعِيَةَ بآيةٍ فإنّهم سوفَ يُصَدِّقونَه فيَتّبِعونَه، فهذه عَقيدةٌ خاطِئةٌ؛ وذلك لأنّ الله يَحُولُ بين المَرءِ وقلبِه، فما يُدريهِ أنّهم سوفَ يُوقِنونَ بها فيَتّبِعُوني؟ وقال الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّـهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٠٩﴾ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿١١٠﴾ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴿١١١﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنعام].
ويا معشَر الأنصار المُكرّمينَ ويا معشر الزوار الباحثين عن الحقّ؛ اعذِروا المهديّ المنتظَر حين يُطيلُ البياناتِ بالحقّ فإنّه نبَأٌ عظيمٌ فوَجبَ علينا أن نُفصِّلَ الكتابَ تَفصِيلًا، ولا يَنبغِي للمهديّ المنتظَر الحقّ مِن ربّكم أن يأتي بالتّفصيلِ مِن عندِه بل أنزَل الله إليكم الكتابَ مُفصّلًا، وإنّما نأتيكُم بالتَّفصّيلِ مِن ذاتِ مُحكَم التَّنزيلِ مِن ذي القولِ الثّقيلِ لعلَّكُم تتفَكَّرون، فكونوا مِن أولي الألبابِ مِن الذين يَتدبّرونَ آياتِ الكتابِ فلا تُصَدِّقوا المُفتَرينَ الذين يَقولونَ على الله ما لا يَعلمون أنّه لا يَعلمُ بتَأويلِ القرآنِ إلّا الله، فذلكَ افتِراءٌ على الله ولم يَقُل الله ذلك سُبحانُه! فوَيلٌ للذين يقولونَ على الله ما لا يَعلمون.
ولربّما يوَدُّ أن يُقاطِعَني أحدُ فَطاحِلةِ علماءِ الشيعة والسُّنة ويقول: "مهلًا مهلًا أيّها الكذّاب الأشِر ولستَ المهديّ المنتظَر محمد بن الحسن العسكري ولستَ المهديّ المنتظَر محمد بن عبد الله، فكيف تُنكِرُ قولَ الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ} صدق الله العظيم [سورة آل عمران]؟" ومِن ثمّ يرُدّ على كافّةِ علماءِ الشيعة والسُّنة المهديّ المنتظَر الحقّ مِن ربّهم ناصر محمد اليماني وأقول: بل المُتَشابِه فقط مِن القرآن وهو ليس إلّا بنِسبَة عشَرة في المائة أو أقلّ مِن ذلك، وأمّا آياتُ الكتابِ المُحكَماتِ التي جعَلهُنَّ الله هُنّ أُمّ الكتابِ فجَمِيعها آياتٌ بيّناتٌ ليَتذكّرَ أولو الألباب. وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٧﴾} صدق الله العظيم [سورة آل عمران].
والإمام المهديّ لا يُحاجّكُم إلّا بالآيات المُحكَماتِ التي يَفقَهُها عالِمُكم وجاهِلُكم فيُخرِسُ بالحقّ ألسِنتَكم عَلّكُم تهتَدون، ومَن صدَّقَ المهديّ المنتظَر فاتّبَعهُ غير أنّه يَرى أنّه لا يَنبغِي له أن يُنافِسَ المهديّ المنتظَر في حُبّ الله وقُربِه ويَرى أنّه لا يَنبغِي له أن يكون أحبّ إلى الله وأقرَب مِن المهديّ المنتظَر الذي اصطَفاهُ الله خليفتَه في الأرضِ (الخبيرُ بالرّحمن؛ الإنسان الذي علَّمَه اللهُ البيانَ للقرآن) وجعَله الإمام لرسولِ الله المسيح عيسى ابن مريم؛ ثمّ يقول: "فكيفَ بعدَ أن كرّمَ الله المهديّ المنتظَر هذا التَّكريم ومِن ثمّ أنافِسُه في حبّ الله وقُربِه؟!"، ثمّ يقول: "بل خليفة الله أوْلَى مِنِّي أن يكون هو الأحبُّ إلى الله وأقرَب". ومِن ثمّ يردّ عليه المهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني وأقول له: فهل تعبُدُ المهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني؟ فسَوفَ يَلعنُكَ الله بكُفرِكَ ولا ولن يُغنِي عنكَ المهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني مِن الله شيئًا؛ بل الحقّ أن تَعتقِدَ إنّما ناصر محمد اليماني ليس إلّا عبدًا لله مِثله مِثلنا يَدعونا إلى عِبادَة الله وحدَه لا شريكَ له ويقول: يا معشَر المسلمين إن كنتم تُحبُّونَ الله فاتّبِعُوا دعوَة محمد رسول الله وكافّة الأنبياءِ والمُرسَلين؛ فكونوا مِن ضِمنِ العبيدِ المُتنافسِين جميعًا إلى الربّ المَعبُودِ أيّهُم أقرَب وافعَلوا كما يَفعَلون، فقد أفتَاكم الله بما يَفعَلونَ في مُحكَم كتابِه وبأنّهم جميعًا يَتنافسُون إلى ربّهم أيّهُم أحبّ وأقرَب، وقال الله تعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ﴿٥٤﴾ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿٥٥﴾ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ﴿٥٦﴾ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴿٥٧﴾ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴿٥٨﴾ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴿٥٩﴾} صدق الله العظيم [سورة الإسراء].
وسَلامٌ على المُرسَلين؛ والحمدُ لله ربِّ العالَمين..
العَبدُ المُنافِسُ ضِمنَ العبيدِ إلى الربّ المَعبودِ في حبّ الله وقُربِه؛ عبد النّعيم الأعظم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
______________
_____________
( رَدُّ المهديّ المنتظَر على أسد السُّنّة )
بَحثتُ في الكتابِ عن أسبابِ فشَلِ الرُّسلِ في إنقاذِ الأمّة جَميعًا فوَجدتُ في مُحكَمِ الكتابِ أسبابًا عِدّةً ..
بِسْمِ الله الرّحمن الرّحيمِ، والصّلاةُ والسَّلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمُرسَلِين وآله الطيّبين الطّاهِرين والتّابِعينَ للحقّ إلى يومِ الدِّين..
اعْلَم يا أسد السُّنّة إنّما يُريدُ الماحي للظلامِ أن يُقيمَ عليكَ الحُجّةَ بالحقّ لأنّكم أصلًا لا تنتَظرونَ نبيًّا جَديدًا اسمُه أحمد؛ فقد سَبقَ بَعثُه وهو ذاتُه محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والسُّؤال الذي يَطرَحُ نفسَه هو: لماذا مِن الأنبياء مَن يَجعلُ الله له اسمَينِ اثنينِ في الكتابِ؟ وذلك حتى تعلموا أنّ الله لم يَجعل الحُجّةَ في الاسم؛ بل في العِلم. وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٥٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الأعراف].
فما هو اسمُ الرّسول الذي يَجِدونَه في التّوراةِ والإنجيلِ؟ والجَوابُ في مُحكَم الكِتابِ: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿٦﴾} صدق الله العظيم [سورة الصف].
والسُّؤالُ الذي يَطرَحُ نفسَه: فما اسمُ الرّسول الذي أرسَلهُ اللهُ مِن بعدِ المَسيح عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ والجَوابُ في مُحكَم الكِتابِ: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴿١﴾ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴿٢﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴿٣﴾} صدق الله العظيم [سورة محمد].
والسُّؤالُ الذي كذلكَ يَطرَحُ نفسَه هو: هل رسولُ الله محمد - صلّى الله عليه وآله وسلّم - هو خاتَمُ الأنبياءِ والمُرسَلين؟ والجَوابُ في مُحكَمِ الكِتابِ: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴿٤٠﴾} صدق الله العظيم [سورة الأحزاب].
ولربّما يَوَدُّّ أحدُ السّائلينَ أن يُقاطِعَني فيَقول: "وكيف نعلمُ أنّ للأنبياءِ مِن اسمَينِ اثنينِ في الكِتابِ؟"، ومِن ثمّ يَرُدُّ عليه المهديّ المنتظَر وأقول: أفلا تَفتِيني أيّها السّائلُ مَن هو نبيّ الله إسرائيل ومَن هم ذُرِّيَّتُه؟ ثمّ يَرُدُّ علينا السّائل ويقول: "هذا شيءٌ مَعروفٌ باتّفاقِ كافّة أهل الكتابِ مِن اليهودِ والنّصارى والمسلمين أنّ نبيّ الله إسرائيل هو ذاته نبيُّ الله يعقوب، وبني إسرائيل هم ذُريّةُ أبنائه ويَتكوّنونَ مِن اثنَيْ عشَر قبيلةً، تصديقًا لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ اللَّـهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [سورة المائدة].
ويَتكوّنُ بنو إسرائيل مِن اثنَي عشَر قبيلةً (أُمَمًا) تصديقًا لقول الله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّـهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٦٠﴾ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴿٦١﴾} صدق الله العظيم [سورة البقرة].
وسَببُ وُجودِ بني إسرائيل هو لأنّ نبيّ الله يعقوب وهو ذاته نبيّ الله إسرائيل وسبَقَتْ هِجرَته إلى مصر هو وأهلُ بيتِه جميعًا بدَعوَةٍ مِن عزيز مصر؛ رسول الله يوسف بن يعقوب الذي ضاعَ منه مِن قبل، وقال الله تعالى: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩٣﴾} صدق الله العظيم [سورة يوسف].
فهاجَر نبيُّ الله يعقوب هو وأولاده إلى مصر ليَقطُنوا مع ابنِه يوسف عزيز مصر. وقال الله تعالى: {فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٩٦﴾ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴿٩٧﴾ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٩٨﴾ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ ﴿٩٩﴾ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿١٠٠﴾} صدق الله العظيم [سورة يوسف]، ومِن ثمّ عاشَ أولادُ يعقوب وأنجَبُوا اثنَيْ عشَر قبيلةً في مصر وهم بنو إسرائيل، وأفتَيناكَ أيّها المهديّ المنتظَر بالحقّ أنّ نبيّ الله إسرائيل في الكتاب هو ذاته نبيّ الله يعقوب".
ومِن ثمّ يَرُدُّ عليكم المهديّ وأقول: شكرًا لكَ أيّها السّائِل، فهل تَذكُر سُؤالكَ في أوّل هذا البيانِ بقولي: (ولرُبّما يَوَدُّ أحَدُ السّائلينَ أن يُقاطِعَني فيقول: وكيف نعلمُ أنّ للأنبياءِ مِن اسْمَينِ اثنينِ في الكِتاب؟)، ومِن ثمّ أَجبتَ على نفسِكَ وأثبتَّ بالبُرهانِ مِن مُحكَمِ القرآن أنّ نبيّ الله إسرائيل هو ذاتهُ نبيُّ الله يعقوب، وعليه فإنّ نبيّ الله أحمد هو ذاته محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
والسُّؤال: فما هي الحِكمةُ الحقّ أن جعَلَ الله لهم مِن اسمَينِ اثنينِ في الكتابِ؟ ومِن ثمّ يَرُدُّ عليكم المهديّ المنتظَر مُبَيِّنًا الحِكمَة بالحقّ: وذلك لكي يَعلمَ اليهود والنّصارى والأمّيّونَ المسلمون أنّ الله جعَل الحُجّةَ في العِلمِ وليسَ في الاسمِ لعلّكم تتّقونَ بأن بعَثَ الله لكم مَن يُعيدُكم إلى مِنهاج النُّبوَّةِ الأولى فزادَهُ الله عليكم بسطةً في العِلم وأن تَستَمسِكوا بحُجّة العِلم، فإن هَيمَنَ عليكم بعلمٍ وسُلطانٍ مِن لدُن حَكيمٍ عليمٍ فقد علِمتُم أنّ الله اصطفاهُ عليكم خليفةً ومَلِكًا وقائِدًا وإمامًا عليمًا ليَهديكُم إلى الصّراط المُستَقيم، وها هو قد حضرَ فبَعثَه الله إليكم في قدَرِه المَقدورِ في الكتابِ المَسطور يَدعوكُم وكافّة أهلِ الكتابِ والنّاس أجمعين إلى الدُّخولِ في الإسلام الذي جاءَ به رسول الله موسى عليه الصّلاة والسّلام، ولذلك قال فرعون حين أدرَكَهُ الغَرَق: {قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} صدق الله العظيم [سورة يونس: 90].
وأدعوكُم والنّاسَ أجمعين إلى دينِ الإسلام الذي جاءَ به رسول الله المسيح عيسى ابن مريم عليه الصّلاة والسّلام. وقال الله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٥٢﴾} صدق الله العظيم [سورة آل عمران].
وأدعوكُم والنّاسَ جميعًا إلى دينِ الإسلام الذي جاءَ به خاتَمُ الأنبياءِ والمُرسَلين جدّي محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - تصديقًا لقول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّـهِ فَإِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿١٩﴾} صدق الله العظيم [سورة آل عمران].
وتصديقًا لقول الله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٨٥﴾} صدق الله العظيم [سورة آل عمران].
ذلكم دِينُ الله الإسلام الذي بعثَ به جميع المُرسَلين مِن أوّلِ الرُّسلِ المَبعوثينَ بالكتابِ (نوح عليه الصّلاة والسّلام) فبَعثَه الله ليَدعو النّاس إلى دينِ الإسلام. وقال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّـهِ فَعَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ ﴿٧١﴾ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٧٢﴾ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ﴿٧٣﴾ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ﴿٧٤﴾ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿٧٦﴾ قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ﴿٧٧﴾} صدق الله العظيم [سورة يونس].
وقال الله تعالى لرَسوله إبراهيم: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٣١﴾} صدق الله العظيم [سورة البقرة].
ولذلك كان يُسَمّي أتباعَه بالمسلمين فهو دينه ودِينُ ذُرّيتِه الأنبياء؛ مِن ذُريّتِه (إسماعيل وإسحاق ويعقوب)، تصديقًا لقول الله تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٣﴾} صدق الله العظيم [سورة البقرة].
وهو دِينُ رسول الله موسى وهارون عليهما الصّلاة والسّلام. وقال الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّـهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ﴿٨٤﴾} صدق الله العظيم [سورة يونس].
وهو دِينُ رسول الله داوود وسليمان عليهما الصّلاة والسّلام، ولذلك يَدعو النّاس إلى دِين الإسلام كما تبيّنَت لكم دَعوتُه في رسالة نبيّ الله سليمان - عليه الصّلاة والسّلام - إلى مَلكة سبأ: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾} صدق الله العظيم [سورة النمل]. ولذلك حين أسلمَت مَلكةُ سبأ لله ربّ العالَمين قالت: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} صدق الله العظيم [سورة النمل: 44].
وأنا الإمام المهديّ خاتم خُلفاءِ الله أجمعين لم يَجعَلني الله مُبتدِعًا؛ بل مُتّبعًا أدعو الأمّيِّين والنّصارى واليهود والنّاس أجمعين إلى دِين الإسلام الذي بعثَ الله به كافّة الأنبياءِ والمُرسَلين ولا اُفرّقُ بين أحدٍ مِن رُسله وأنا مِن المسلمين لله ربّ العالَمين وَحدَهُ لا شَريكَ له، أدعُوكم إلى عبادَةِ الله وَحدَه لا شريكَ له ومَن أشركَ بالله فقد حَبِطَ عمَله وهو في الآخرةِ لمِن الخاسِرين، لذلك أدعو النّاس أجمعين إلى كلمةٍ سَواءٍ أن لا إله إلّا الله وحدَه لا شريكَ له؛ فلا يتّخِذ بعضُنا بَعضًا أربابًا مِن دون الله ولا يَدعو بَعضُنا بَعضًا مِن دُونِ الله، فلا تَدعوا مع الله أحَدًا فتَكونوا مِن المُعذَّبينَ فلن يُغنِي عنكم المهديّ المنتظَر وكافّة الأنبياء والمُرسَلين لئِن بالَغتُم في أمرِنا بغيرِ الحقّ، واعلَموا أنّ جميع الأنبياءِ والمُرسَلين والمهديّ المنتظَر لم يُفضِّلهم الله عليكم إلّا بالتّقوَى لأنّهم اتّقوا الله فلم يَعبُدوا سِواهُ ونَتنافَسُ جميعًا إلى الله أيّنا أحبُّ وأقرَب، فإن استَجبتُم لِما يُحْيِيكُم فاتّبعتُم دَعوَة كافّة الأنبياءِ والمُرسَلين والمهديّ المنتظَر إلى عبادَةِ الله وَحدَه لا شَريكَ له وكنتم معَنا ضِمنَ عَبيدِه المُتنافِسينَ في حُبّ الله وقُربِه أيّهُم أقرَبُ فقد اهتَديتُم وأخلَصتُم عِبادَتكم لله ربّ العالَمين واعتَرفتُم أنّ جميع الأنبياءِ والمُرسَلين عبادٌ لله أمثالكم، وإن أبَيتُم وقلتُم هيهات هيهات يا ناصر محمد اليماني! وقال النّصارى: "فكيف تُريدُنا أن نُنافِسَ رسول الله المسيح عيسى ابن مريم في حبّ الله وقُربِه وهو ابنُ الله شَفيعنا يومَ الدّين يَومَ يقومُ النّاس لربّ العالَمين!"، وإن قال المسلمون: "مهلًا مهلًا يا ناصر محمد اليماني إنّك كذّابٌ أشِر ولستَ المهديّ المنتظَر، فكيف تُريدُنا أن نُنافسَ سيِّدَ الأنبياءِ وخاتَم المُرسَلين (محمد رسول الله) في حبّ الله وقُربِه؟ بل هو شَفيعُنا يومَ الدّين يومَ يَقومُ النّاس لربّ العالَمين، فلا يَنبغِي لنا نحن المسلمون أن نُنافِسَ نبيّنا في حُبّ الله وقُربِه! فقد أشرَكتَ بالله يا ناصر محمد اليماني يا مَن تدعو المسلمين والنّصارى واليهود أن يُنافِسُوا أنبياءَهم ورُسُل ربّهم في حبّ الله وقُربِه وهم الشُّفعاء يَوم الدّين لأنّهم عبادُ الله المُكرمونَ والمُقرَّبونَ". ثمّ يرُدّ عليكم المهديّ المنتظَر وأقول: إذًا قد أشرَكتُم جميعًا بالله ربّ العالَمين، وسوفَ تعلمونَ هل يَنفَعُونكم بين يَدي الله يومَ لا يَنفع مالٌ ولا بَنونٌ إلّا مَن أتَى الله بقَلبٍ سَليمٍ مِن الشِّرك بالله ربّ العالَمين؟ تصديقًا لقول الله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿٨٨﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿٨٩﴾} صدق الله العظيم [سورة الشعراء]، يومَ لا تَملكُ نفسٌ لنفسٍ شيئًا تصديقًا لقول الله تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّـهِ ﴿١٩﴾} صدق الله العظيم [سورة الانفطار]، يومَ لا يَتجرَّأُ نبيٌّ ولا رسولٌ أن يتقدَّمَ بين يدي الله طالِبًا مِن ربّه الشفاعة للمُشركينَ الذين يَرجونَ شفاعتَهم بين يدَي الله تصديقًا لقول الله تعالى: {فَمَن يُجَادِلُ اللَّـهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} صدق الله العظيم [سورة النساء: 109].
وقوله تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿٥١﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنعام].
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٥٤﴾} صدق الله العظيم [سورة البقرة].
وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴿٤٨﴾} صدق الله العظيم [سورة البقرة].
وقوله تعالى: {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} صدق الله العظيم [سورة الأعراف: 53].
وقوله تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا} صدق الله العظيم [سورة الأنعام: 70].
وقوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ} صدق الله العظيم [سورة يونس: 18].
ولربّما يَوَدُّ أن يُقاطِعَني أحَدُ فطاحِلة علماء الدّين المسلمين ويقول: "إنّما يَقصدُ عبَدَة الأصنامِ الذين يَدعونَهم مِن دُونِ الله". ثمّ يَرُدّ عليكم المهديّ المنتظَر: فوالله لا فَرقَ بين مَن يدعو صنَمًا أو يَرجُو الشفاعة بين يدَي الله مِن أحَدِ عبادِه المُرسَلين أو الصّالِحين المُكرّمين - سبحان الله العليّ العظيم عمّا تُشرِكون وتعالى علُوًّا كبيرًا- فهذا مُناقِضٌ لصِفاتِ الله - سُبحانَه وتَعالى عُلوًّا كبيرًا - أن يَشفَعَ عبدٌ بين يَدي الربِّ المَعبودِ الذي هو أرحمُ الرّاحمين مِن عبيدِه أجمعين، فلا يَنبغِي أن يتَجرّأ عبدٌ للشفاعة بين يدَي الله أرحم الرّاحمين، فكيف يكون ذلك؟ فهل هو أرحَمُ مِن الله أرحَم الرّاحمين سُبحانَه وتعالى عُلوًّا كبيرًا؟! فمَن كان يَرجو الشفاعة بين يدَي الله مِن عبدٍ فقد كفَر بِبَيانِ الله: {{هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}} [سورة يوسف: 64]، ألا وإنّ حُجّة الله عليكم هي رحمتُه التي كَتبَ على نفسِه إن كنتم تؤمنون أنّ الله هو أرحَم بكم مِن عبادِه، لأنّ الله أرحم الرّاحمين فلا يَنبغِي أن يكونَ هناك عبدٌ هو أرحمُ بكم مِن الله، تصديقًا لقول الله تعالى: {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّـهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنعام].
وقوله تعالى: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴿١٤٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنعام].
بلى وربّي لقد خَسِروا أنفُسَهم الذين لا يُؤمنون أنّ الله هو أرحمُ الرّاحمين، فانظروا إلى دَعوةِ أصحابِ الأعرافِ هل تَجدونَهم يَرجُونَ في ذلك اليوم عبدًا يَشفعُ لهم بين يَدي الله؟ بل قالوا: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴿٤٦﴾ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٤٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الأعراف]، ومِن ثمّ جاءَ الردُّ عليهم مِن الله أرحم الرّاحمين وقال لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} صدق الله العظيم [سورة الأعراف: 49].
ولكنّ أصحابَ النّار يَلتَمِسُونَ الشّفاعة مِن مَلائكةِ الرّحمن. وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ ﴿٤٩﴾} صدق الله العظيم [سورة غافر]، فانظروا لردِّ الملائكة المُقرَّبينَ إلى أصحابِ النّار: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴿٥٠﴾} صدق الله العظيم [سورة غافر]، فهل تعلمونَ البيانَ الحقّ لقول الله تعالى: {قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} صدق الله العظيم؟ أي ادعُوا الله وحدَه لا شريكَ له وما دُعاءُ المُشركينَ إلى عِبادِه المُقرَّبينَ إلّا في ضَلالٍ، وذلك لأنّهم يُريدونَ مِن ملائكةِ الرّحمنِ المُقرَّبينَ أن يَدعوا لهم ربّهم أن يَرحمَهم فيُخفّفَ عنهم ولو يومًا واحِدًا مِن عذابِ جهنّم، ولكنّهم لم يَدعوا الله فيقولوا: ربّنا ظلمنا أنفُسَنا، فإن لم تَغفِر لنا وترحَمنا لنكوننّ مِن المُعذَّبينَ في نار جهنّم خالدين.
والسُّؤال هو: لماذا لم يَدعوا ربَّهم الذي هو أرحَم بهم مِن ملائكتِه المُقرّبين؟ والجواب تجِدونَه في مُحكَم الكتابِ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴿٧٤﴾ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴿٧٥﴾ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ﴿٧٦﴾} صدق الله العظيم [سورة الزخرف].
فهل تَعلمونَ البيانَ الحقّ لقول الله تعالى: {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} صدق الله العظيم؟ أي يائِسُونَ مِن رحمَةِ الله، ولذلك فهُم في العذابِ خالِدون بسببِ يأسهم مِن رحمةِ الله أرحم الرّاحمين. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ وَلِقَائِهِ أُولَـٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [سورة العنكبوت].
ويا عبادَ الله؛ إنّي عبدُ النّعيم الأعظم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني الخَبيرُ بالرّحمنِ في مُحكَم القرآن أعِظُكُم وأقولُ لكم في أنفُسِكم قَولًا بَليغًا، فلو أنّ لأحدِكم أولادًا عَصوهُ ألف عامٍ ثم ماتوا وأبوهم غاضِبٌ عليهم فلم يُطيعوا له أمرًا ثمّ أدخَلهم الله النّار ثمّ اطّلعَ عليهم أبَوَاهِم فرأوهُم يَصطَرخُونَ في نار جهنّم، فتصَوّروا كم مَدَى الحَسرةِ في قُلوبِ هذين الأبَوَين على أولادِهم مهما كان عِصيانُهم لوالِدَيهم، فحتمًا تكونُ حسرَتهم على أولادِهم الذين يُشاهِدانهم يَصطَرِخونَ في نار جهنّم فحتمًا تَجِدونَ أنّ الحسرةَ في أنفُسِ الوالدَين على أولادِهم لَشَيءٌ عظيمٌ يَعلَمُها كلّ مَن له أولادٌ؛ أنّ حَسرَته حقًّا لا شكّ ولا رَيب سوفَ تكونُ عظيمةً في نفسِه على أولادِه المُعذَبين، ومِن ثمّ يقولُ لكم الإمام المهديّ: فإذا كان هذا هو حالُ حَسرَتِكم على أولادِكم المُعذَّبين فما ظنّكُم بحَسرةِ مَن هو أرحَم بأولادِكم منكم الله أرحَم الرّاحمين؟! فإنّي أجِدُه يَتحسّرُ على عِبادِه أجمعين الذين كذَّبوا بِرُسلِ ربّهم فأهلَكهم مِن غيرِ ظُلمٍ بل ظلَموا أنفُسَهم، وبرغمِ ذلك تَجِدونَ الله أرحم الرّاحمين يتَحسّرُ على عِبادِه الذين ظلَموا أنفُسَهم، وقال الله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [سورة يس].
ويا معشَر أنصار المهديّ المنتظَر عبد النّعيم الأعظم ناصر محمد اليماني، كونوا القوم الذين وَعدَ الله بهم في مُحكَمِ كتابه في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} صدق الله العظيم [سورة المائدة: 54]، واعلَموا أنّي لو أقولُ لكافّة المسلمين: هل تُحبُّونَ الله بالحُبّ الأعظمِ مِن كلّ شيءٍ في الدنيا والآخرة؟ فسوفَ يقولون جميعًا: اللهمّ نعم، ومِن ثمّ أرُدّ عليهم وأقول: لقد أفتاكم المهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني بالبُرهانِ المُبينِ مِن مُحكَم القرآن العظيم أنّ الله ليسَ سعيدًا في نفسه بسببِ ظُلمِ عِبادِه لأنفُسِهم الذين كذّبوا رُسلَ ربّهم الذين يَدعونَهم إلى الله ليَغفِر لهم فأعرَضوا عن رُسلِ رحمَتِه: {وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴿٩﴾ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ} صدق الله العظيم [سورة إبراهيم: 9 - 10].
ومِن ثمّ يُهلِكهُم الله بسببِ إعراضِهم عن رحمَة الله وعَفوِهِ وغُفرانِه لعبادِه، ومِن ثمّ يُهلِكهُم الله وبرغمِ ذلك يَقولُ: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [سورة يس].
فما دامَ عبدُ النّعيم الأعظم الإمام المهديّ الخبير بالرّحمن قد أفتَاكُم بالحقّ؛ فمَن كَفَر بهذه الفتوَى الحقّ فقد كفرَ أنّ الله {{هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}}، وأمّا الذين شَهِدُوا بالحقّ أنّ الله هو حقًّا أرحمُ الرّاحمين ثمّ يقولون: وبما أنّ الله هو حقًّا أرحَم الرّاحمين فحَتمًا لا بُدَّ أنّه مُتَحسِّرٌ على عِبادِه الذين ظَلموا أنفُسَهُم في جميع الأمَم، ومِن ثمّ صدّقوا فتوَى المهديّ المنتظَر بهذه الحقّيقة الكُبرَى في مُحكَم كتابِ الله القرآن العظيم فوَجدُوا أنّ ربّهم - سُبحانَه وتعالى عُلوًّا كبيرًا - حقًّا مُتَحسِّرٌ على عبادِه الذين ظَلمُوا أنفسَهم ويقول: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم.
ومِن ثمّ يقولون: "إذًا يا حَسرَتنا على نعيمنا الأعظم مِن جنّة النّعيم".
ومِن ثمّ يقولون: "فلِمَ خَلقتَنا يا إلهَ العالَمين؟ فإن رَضيتَ عنّا فهذا ليسَ إلّا جُزءًا مِن نَعيمِ رِضوانِ نفسِكَ على عِبادِكَ ولن تكونَ راضِيًا في نفسِكَ حتى تُدخِلَ عِبادَكَ في رَحمَتِكَ يا مَن وَسِعتَ كلّ شيءٍ رَحمةً، وبعد أن علّمَنا الإمام المهديّ بهذه الحقّيقة الكُبرَى والنّبأ العظيم أنّ أحبّ شيءٍ إلى أنفُسِنا (الله ربّنا) لم يَكن سعيدًا في نفسِه وكان مُتحَسِّرًا على عبادِه الذين ظَلموا أنفُسَهم لأنّه الله أرحم الرّاحمين؛ مَنْ هو أرحمُ بعبادِه مِن كافّة الأنبياءِ والمُرسَلين ومِن المهديّ المنتظَر ومِن ملائِكتِه المُقرَّبين ومِن خَلقِه أجمَعين، وعليه فكيف نكونُ سُعَداء بالحُور العِين وجنة النّعيم وحَبيبُنا الله ربّ العالَمين ليسَ بِسَعيدٍ في نفسِه بسببِ ظُلمِ عبادِه لأنفُسِهم؟ فسُحقًا لِجنّة النّعيم والحُورِ العِين؛ بل نُريدُ تَحقيقَ النّعيم الأعظم مِن الحُورِ العين وجنّة النّعيم وهو أن يكونَ الله راضِيًا في نفسه ليس مُتَحسِّرًا ولا غَضبانًا على عِبادِه، فإذا لم تُحقّق لنا النّعيم الأعظم مِن جنّة النّعيم فلِمَ خلقتَنا يا إله العالَمين؟ فنحن لا نُحاجّكَ في عبادِكَ فلسْنا أرحَم بعِبادِكَ مِنك سُبحانكَ وتَعاليتَ عُلوًّا كبيرًا! فلا يَنبغِي لعبدٍ أن يكون هو أرحمُ بعِبادِكَ منكَ سُبحانك وتَعاليتَ عُلوًّا كبيرًا! لأنّك أنت الله أرحمُ الرّاحمين فلا يُوجَد في عبادِكَ مِن هو أرحمُ بعِبادِكَ منكَ سُبحانكَ وتَعاليتَ عُلوًّا كبيرًا! يا مَن كتبَ على نفسِه الرّحمة إنّك قلتَ وقَولُكَ الحقّ المُبين: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} صدق الله العظيم [سورة يونس: 99].
اللهم إنّ الجاهِلينَ يظنّون أنّ حِكمَتكَ اقتَضَتْ أن تَهدي فريقًا فتَجعَلهُم في الجنّة وتُضِلّ فريقًا فتَجعَلهُم في النّار وذلكَ لأنّهم قَومٌ لا يَفقَهون، فقد وَصَفوكَ بالظُّلم وكفَروا بقَولِكَ الحقّ في مُحكَم كِتابك: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿٤٤﴾} صدق الله العظيم [سورة يونس]، وذلك لأنّهم لا يَعلَمونَ البيانَ الحقّ لقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} صدق الله العظيم، أي لو شاءَ الله بِقُدرَتِه أن يَهدي أهل الأرضِ جميعًا فإنّه لا يُعجِزُه ذلك سبحانه وتعالى عُلوًّا كبيرًا، إنّ الله على كلّ شيءٍ قدير، تصديقًا لقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} صدق الله العظيم [سورة الأنعام: 35]".
ولربّما يَوَدُّ أن يُقاطِعَني فُطحُولٌ مِن عُلماءِ الأمّة فيقول: "إذًا لماذا لم يَهدِهِم الله؟". والجوابُ يأتيكَ به صاحِب عِلم الكتاب تَجِدهُ في قولِ الله تعالى: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}صدق الله العظيم [سورة الشورى: 13]، فمَن أنابَ إلى الله هدَى قلبَه إلى الصِّراطِ المُستقيم وتلكَ، هي حُجّةُ الله على عبادِه الذين لم يَهدِ الله قُلوبَهم إلى الصِّراط المُستقيم لأنّه علّمَهُم في مُحكَم كتابِه كيف يَهدِيهم الله. وقال الله تعالى: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} صدق الله العظيم.
وأعلنَ الله بهذه الفَتوَى لكافّة عبادِه لمَن يُريدُ مِن ربّه أن يَهدِي قلبَه، وقال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٥٣﴾ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ﴿٥٤﴾ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴿٥٥﴾ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّـهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴿٥٦﴾ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّـهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿٥٧﴾ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٨﴾ بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿٥٩﴾} صدق الله العظيم [سورة الزمر].
ولذلك فإنّي المهديّ المنتظَر أُبرّئُ اللهَ - سُبحانه - مِن أن يَظلِمَ أحدًا تصديقًا لقول الله تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} صدق الله العظيم [سورة الكهف: 49]، فأنيبُوا إلى ربّكم يا عبادَ الله ليَهدِي قلوبكم فإنّ الله يَهدِي القُلوبَ المُنيبَة تصديقًا لقول الله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴿٣١﴾ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴿٣٢﴾ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴿٣٣﴾ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴿٣٤﴾ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴿٣٥﴾} صدق الله العظيم [سورة ق].
فهل تَعلمونَ مَن هو الأوّاب؟ إنّه ذلك العبدُ الذي تابَ إلى ربّه وأنابَ ليَغفِرَ الله له ذَنبه فيَهدي قلبه فَيُكَرِّه إليهِ الكُفرَ والفُسُوقِ والعِصيان، وقال الله تعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴿٢٥﴾} صدق الله العظيم [سورة الإسراء]، وذلك لأنّ الله لا يُغيِّرُ ما بِقَومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفُسِهم، تصديقًا لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} صدق الله العظيم [سورة الرعد: 11]، فإن زاغُوا عن الحقّ فأعرَضُوا عن العَقلِ والمَنطِق واتّبَعُوا الاتّباعَ الأعمَى بغَيرِ عِلمٍ مِن الله، فمَن زاغَ عن الحقّ أزاغَ الله قلبَه فيَزيدَه ضَلالاً إلى ضَلالِه، تصديقًا لقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّـهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٥﴾ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿٦﴾ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الصّف].
وذلك لأنّ الإنسانَ قد أمدَّهُ اللهُ بعَقلٍ وسَمعٍ وبصَرٍ، وبَعثَ إلى النّاسِ رسُله ليَهدوهُم إلى طريق الحقّ ويَهدوهُم إلى طريق الضّلال ليَجعَل الإنسانَ مُخيَّرًا، ثم يُسيِّرُه الله إلى الطريق التي اختارَها وجعَل اللهُ الإنسانَ أمامَ نَجدَين اثنين، تصديقًا لقول الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴿٨﴾ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴿٩﴾ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴿١٠﴾} صدق الله العظيم [سورة البلد].
فإن استَشارَ عَقله الذي أمدَّهُ الله به فإنّ عقلَ الإنسان مُستَشارٌ أمينٌ لا يَخونُ ربّه ولا صاحِبَه، فلو يقول: يا عَقلي مَن تَرى أنّه أحقُّ بعِبادَتي له؟ لقال عَقلُه: الأحقُّ بعِبادَته وَحدَه لا شريكَ له الله الذي فَطرَك وفطَر السّماواتِ والأرض، فهل بعدَ الحقّ إلّا الضّلال؟ ولكن إذا لم يَستَخدِم عقلَه وزَعمَ أنّ الذين مِن قَبله هم الأعلَم وهم الأحكَم منه ثمّ يتّبِعهم الاتّباعَ الأعمَى مِن غير أن يَستَخدِم عقلَه شيئًا؛ بل دائمًا يتّبعُونَ الاتّباع الأعمَى، فانظروا إلى فِكْرِ رسول الله إبراهيم - عليه الصّلاة والسّلام - فأرادَ أن يَستخدِم قومَه عُقولَهم علّهُم يُبصِرونَ الحقّ أنّهم على ضَلالٍ مُبين ولذلكَ قامَ بتَحطِيم الأصنامِ جميعًا إلّا صنمًا واحدًا ترَكَه وجعَل الفأسَ في عُنقِ الصَّنمِ حتى إذا قالوا له: {قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٢﴾ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴿٦٣﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنبياء]، ومِن ثمّ رجَع قومه إلى التّفكيرِ مع أنفُسِهم صامِتين كلّ منهم يتفكّر فنُكسُوا رُؤوسَهم مُطرقِينَ في التَّفكيرِ فأفْتَتهُم عُقولُهم بالحقّ: {فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنبياء].
وإنّما ذلكَ حَدثَ في أنفسهم ردًّا على أنفُسِهم مِن عُقولِهم: {فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾} صدق الله العظيم، ثمّ رفَعُوا رُؤوسَهم مِن بعدِ التّفكيرِ وقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ} صدق الله العظيم [سورة الأنبياء: 65]، ومِن ثمّ حاجّهم إبراهيم بالعَقلِ والمَنطِق وقال: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴿٦٦﴾ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنبياء]، ولكنّ قومَه أخذَتهُم العِزّة بالإثم بسببِ قولِ إبراهيم {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾} برغم أنّه كادَ أن ينجَحَ في هِدايَتِهم إلى الحقّ بتَشغِيلِ عُقولِهم ولكن أغضَبهُم قَولُ خليل الله إبراهيم: {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾} صدق الله العظيم، ولذلك قالوا: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴿٦٨﴾ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴿٦٩﴾ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴿٧٠﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنبياء].
بل كادَ خليل الله إبراهيم أن يَجعَلهم يَهتَدونَ إلى الحقّ بِحِكمَة تَشغيلِ عُقولِهم بالتَّفكير، فلو استَمرّ في تِلكَ اللحظةِ بإقناعِهم بالحِكمَة والمَوعِظةِ الحَسَنة لهَداهُم بمُساعَدَة عُقولِهم التي حَكَمَتْ بينهم وبين إبراهيم بالحقّ {فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾}، أي إنّكم أنتم الظّالمون وليسَ إبراهيم، فكيفَ تَعبُدونَ أصنامًا لا تَنطِقُ ولا تَضُرّ ولا تَنفَع ولا تُدافِعُ عن نفسِها؟ فكيفَ تَدفَع عنكم السُّوء؟
ولربّما الجاهلون يُودُّ أحدُهم أن يُقاطِعَني مِن الذين يُبالِغونَ في الأنبياءِ بغيرِ الحقّ فيقول: "حتى خليل الله إبراهيم سوفَ تُخطِّئُه يا ناصر محمد اليماني؟"، ومِن ثم يَرُدّ عليه الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: كلّا يا قوم، وإنّما ذلك بَحثُ المهديّ المنتظَر في الكتاب؛ لماذا الرُّسل لم يَستَطيعوا أن يَجعَلوا النّاس أمّةً واحدةً على صِراطٍ مُستقيمٍ؟ بل هَدوا فريقًا وفريقًا أعرَضُوا عن الحقّ، ولكنّ الإمام المهديّ مُكلّفٌ ليَجعَلَ النّاسَ بإذن الله أمّةً واحدةً على صِراطٍ مُستقيمٍ، ومِن ثمّ بَحثتُ في الكتابِ عن أسبابِ فشَلِ الرُّسل في إنقاذِ الأمّة جميعّا فوَجَدتُ في مُحكَم الكتابِ أسبابًا عدّةً كما يلي:
حَسرَةُ الرُّسُل على النّاسِ أنسَتهُم تَحسُّرَ الله على عِباده؛ الذي هو أرحمُ بهم مِن رُسله سُبحانه وتعالى علوًّا كبيرًا، وقد أخطأ رسول الله نوح - عليه الصّلاة والسّلام - فخالَفَ أمرَ الله إليه: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} صدق الله العظيم [سورة المؤمنون: 27]، حتى إذا غرقَ مَن كان يَظُنّ أنّه ابنه مع قومِه فلم يَستَطِع الصّبرَ مِن شِدّة التَحسُّر في قلبِه على وَلَدِه فخاطَبَ ربّه: {فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} صدق الله العظيم [سورة هود: 45]. ولكن جاء الردٌّ مِن الله يَصِفُ نوحًا بالجهلِ، وقال الله تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٤٦﴾} صدق الله العظيم [سورة هود].
وذلك لأنّ الله في تِلكَ اللحظةِ التي يُخاطِبه فيها نبيّه وهو يُحاوِلُ التَّشفّع لوَلدِه فيَشكو إليه أنّه وَلده فهو الأب (فأنت تَعلَمُ رحمةَ الأب بوَلده) ويُحاجّ الله بوَعدِه برَحمتِه بنوح فنَسِيَ في تِلكَ اللحظة حسرَة مَن هو أعظَمُ مِن حَسرَة نوحٍ على وَلَدِه؛ اللهُ أرحم الرّاحمين، ولذلك جاءَ الردُّ مِن الله قَويًّا إلى نوحٍ فيَعظه أن يكون مِن الجاهِلين أي مِن الجاهِلين بربّه، كما وَعَظَ محمدًا رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - حينَ كان يَتحسّرُ على العبادِ حتى كادَ أن يُذهِبَ نفسَه عليهم حسَراتٍ فيَتمنّى مِن ربّه أن يُمِدَّهُ بآيةٍ حتى يُصَدّقوهُ فيَتّبِعوا الحقّ، ولذلك قال الله تعالى لنبيّه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} صدق الله العظيم [سورة الأنعام: 35].
وبالنِّسبة لنوح - عليه الصّلاة والسّلام - فأدرَكَ شيئًا مِن خطَئِه وهو أنّه خالَفَ أمرَ ربّه لأنّه أمرَهُ مِن قبل أن يُغرِقَهم أن لا يُخاطِبَه في الذين ظَلموا أنّهم مُغرَقون، وقال الله تعالى: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} صدق الله العظيم [سورة هود: 37].
ولكنّ رسول الله نوح - عليه الصّلاة والسّلام - مِن شِدّةِ تَحسُّرِه على ولَدِه نَسِيَ أمرَ ربّه ثمّ تابَ وأنابَ واستَغفَر كمِثل استِغفارِ خليفة الله آدم مِن قبل، وقال رسول الله نوح عليه الصّلاة والسّلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٤٧﴾} صدق الله العظيم [سورة هود].
فتِلكَ أخطاءٌ يَستَفيدُ منها المهديّ المنتظَر، وذلك لأنّه يَبحثُ بإذن الله في مُحكَم كتابِ الله عن أسبابِ فَشَلِ الأنبياءِ مِن أن يَجعَلوا النّاس أمّةً واحدةً جميعًا على صِراطٍ مُستقيم، فتَوَصّلتُ إلى أنّه لا يُمكنُ أن يَهتَدوا بسببِ إرسالِ مُعجزاتِ التّصديقِ بسببِ عقيدةِ الكفّار، وكذلكَ الأنبياء يَعتَقِدونَ أن لو يُؤيِّدهُم الله بآياتِ التّصديقِ فإنّ قَومهُم سوفَ يُصدّقونَ فيَتبِعونَهم، ولذلكَ قال الله لجدّي محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴿٣٤﴾ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٣٥﴾ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴿٣٦﴾ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللَّـهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٧﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنعام].
ولكنّ الله يَعلمُ أنّه لو يمدّ جدّي بآياتِ التّصديقِ كمُعجِزاتِ الأنبياء مِن قَبله فإنّهم سوفَ يَكفُرونَ بها ويَقولون: "بل هي سِحرٌ مُبينٌ"، ومِن ثمّ يَدعو عليهِم محمدٌ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - كما فعَل الأنبياءُ مِن قبل، ثمّ يُهلِكُهم الله وما بَلغُوا مِعشَارَ القرآن العظيم، ولكنّها رحمةٌ مِن الله أن لم يُؤيّدهُ بمُعجِزاتِ التّصديقِ لأنّه يَعلمُ أنّهم سوفَ يُكَذِّبون حتى لو أخذَهم محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - جميعًا فعَرجَ بهم بإذن الله حتى فتحَ لهم بابًا مِن السماء السّابِعة لِيَختَرِقُوا إلى جنّة المَأوَى فانظروا ما كانوا سَوفَ يقولون، وقال الله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ﴿١٤﴾ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ﴿١٥﴾} صدق الله العظيم [سورة الحجر].
إذًا يا معشَر الأنصار؛ فلا تَرجُوا مِن الله أن يُمِدَّكُم بآياتِ المُعجِزاتِ فلن يَهتَدوا بها إذًا أبدًا ما دامُوا طلبُوها هم بِزَعمِهم أن لو يُؤيّدُ اللهُ الدَّاعِيَةَ بآيةٍ فإنّهم سوفَ يُصَدِّقونَه فيَتّبِعونَه، فهذه عَقيدةٌ خاطِئةٌ؛ وذلك لأنّ الله يَحُولُ بين المَرءِ وقلبِه، فما يُدريهِ أنّهم سوفَ يُوقِنونَ بها فيَتّبِعُوني؟ وقال الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّـهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٠٩﴾ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿١١٠﴾ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴿١١١﴾} صدق الله العظيم [سورة الأنعام].
ويا معشَر الأنصار المُكرّمينَ ويا معشر الزوار الباحثين عن الحقّ؛ اعذِروا المهديّ المنتظَر حين يُطيلُ البياناتِ بالحقّ فإنّه نبَأٌ عظيمٌ فوَجبَ علينا أن نُفصِّلَ الكتابَ تَفصِيلًا، ولا يَنبغِي للمهديّ المنتظَر الحقّ مِن ربّكم أن يأتي بالتّفصيلِ مِن عندِه بل أنزَل الله إليكم الكتابَ مُفصّلًا، وإنّما نأتيكُم بالتَّفصّيلِ مِن ذاتِ مُحكَم التَّنزيلِ مِن ذي القولِ الثّقيلِ لعلَّكُم تتفَكَّرون، فكونوا مِن أولي الألبابِ مِن الذين يَتدبّرونَ آياتِ الكتابِ فلا تُصَدِّقوا المُفتَرينَ الذين يَقولونَ على الله ما لا يَعلمون أنّه لا يَعلمُ بتَأويلِ القرآنِ إلّا الله، فذلكَ افتِراءٌ على الله ولم يَقُل الله ذلك سُبحانُه! فوَيلٌ للذين يقولونَ على الله ما لا يَعلمون.
ولربّما يوَدُّ أن يُقاطِعَني أحدُ فَطاحِلةِ علماءِ الشيعة والسُّنة ويقول: "مهلًا مهلًا أيّها الكذّاب الأشِر ولستَ المهديّ المنتظَر محمد بن الحسن العسكري ولستَ المهديّ المنتظَر محمد بن عبد الله، فكيف تُنكِرُ قولَ الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ} صدق الله العظيم [سورة آل عمران]؟" ومِن ثمّ يرُدّ على كافّةِ علماءِ الشيعة والسُّنة المهديّ المنتظَر الحقّ مِن ربّهم ناصر محمد اليماني وأقول: بل المُتَشابِه فقط مِن القرآن وهو ليس إلّا بنِسبَة عشَرة في المائة أو أقلّ مِن ذلك، وأمّا آياتُ الكتابِ المُحكَماتِ التي جعَلهُنَّ الله هُنّ أُمّ الكتابِ فجَمِيعها آياتٌ بيّناتٌ ليَتذكّرَ أولو الألباب. وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٧﴾} صدق الله العظيم [سورة آل عمران].
والإمام المهديّ لا يُحاجّكُم إلّا بالآيات المُحكَماتِ التي يَفقَهُها عالِمُكم وجاهِلُكم فيُخرِسُ بالحقّ ألسِنتَكم عَلّكُم تهتَدون، ومَن صدَّقَ المهديّ المنتظَر فاتّبَعهُ غير أنّه يَرى أنّه لا يَنبغِي له أن يُنافِسَ المهديّ المنتظَر في حُبّ الله وقُربِه ويَرى أنّه لا يَنبغِي له أن يكون أحبّ إلى الله وأقرَب مِن المهديّ المنتظَر الذي اصطَفاهُ الله خليفتَه في الأرضِ (الخبيرُ بالرّحمن؛ الإنسان الذي علَّمَه اللهُ البيانَ للقرآن) وجعَله الإمام لرسولِ الله المسيح عيسى ابن مريم؛ ثمّ يقول: "فكيفَ بعدَ أن كرّمَ الله المهديّ المنتظَر هذا التَّكريم ومِن ثمّ أنافِسُه في حبّ الله وقُربِه؟!"، ثمّ يقول: "بل خليفة الله أوْلَى مِنِّي أن يكون هو الأحبُّ إلى الله وأقرَب". ومِن ثمّ يردّ عليه المهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني وأقول له: فهل تعبُدُ المهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني؟ فسَوفَ يَلعنُكَ الله بكُفرِكَ ولا ولن يُغنِي عنكَ المهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني مِن الله شيئًا؛ بل الحقّ أن تَعتقِدَ إنّما ناصر محمد اليماني ليس إلّا عبدًا لله مِثله مِثلنا يَدعونا إلى عِبادَة الله وحدَه لا شريكَ له ويقول: يا معشَر المسلمين إن كنتم تُحبُّونَ الله فاتّبِعُوا دعوَة محمد رسول الله وكافّة الأنبياءِ والمُرسَلين؛ فكونوا مِن ضِمنِ العبيدِ المُتنافسِين جميعًا إلى الربّ المَعبُودِ أيّهُم أقرَب وافعَلوا كما يَفعَلون، فقد أفتَاكم الله بما يَفعَلونَ في مُحكَم كتابِه وبأنّهم جميعًا يَتنافسُون إلى ربّهم أيّهُم أحبّ وأقرَب، وقال الله تعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ﴿٥٤﴾ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿٥٥﴾ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ﴿٥٦﴾ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴿٥٧﴾ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴿٥٨﴾ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴿٥٩﴾} صدق الله العظيم [سورة الإسراء].
وسَلامٌ على المُرسَلين؛ والحمدُ لله ربِّ العالَمين..
العَبدُ المُنافِسُ ضِمنَ العبيدِ إلى الربّ المَعبودِ في حبّ الله وقُربِه؛ عبد النّعيم الأعظم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
______________