الموضوع: مُعجزاتٌ خارِقَةٌ لمريم العذراء

مُعجزاتٌ خارِقَةٌ لمريم العذراء ..

- 1 -
الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني
30 - ذو القعدة - 1443 هـ
29 - 06 - 2022 مـ
08:24 صباحًا
(بحسب التّقويم الرّسميّ لأمّ القرى)


[لمتابعة رابط المشاركة الأصلية للبيان]
https://mahdialumma.online/showthread.php?p=388179
______________


مُعجزاتٌ خارِقَةٌ لمريم العذراء ..


بِسم الله الرّحمن الرحيم والصلاة والسّلام على الأنبياء والصِّدّيقين والشّهداء والصّالحين في كل زمانٍ ومكانٍ إلى يوم الدين؛ ثُمَّ أمّا بعد ..

مِن باب التّمهيد لخلق الله عبده المسيح عيسى بن مريم بكلمةٍ ألقاها إلى مريم (كُن فيَكون) فَمِن باب التّمهيد مِن ربّ العالَمين لتُصَدِّق بأمر ربّها في مُعجزة حَملها مِن غير أن يمسَسها بشر، ولذلك أيّد مريم ابنة عمران بمُعجزاتٍ خارقةٍ حقيقيّةٍ على الواقع الحقيقيّ، فبعد أن اختصَم أعمامها عند القضاء أيُّهم يَكفُل مريم ابنة أخيهم (عمران بن يعقوب) فتمّ تحكيم الله باختيار مَن يَكفُلها عن طريق القُرعة تصديقًا لقول الله تعالى: {ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ‎﴿٤٤﴾‏} [آل عمران].

واختار الله أن يتكفّلها عمُّها (زكريا بن يعقوب) عليهم الصّلاة والسّلام تصديقًا لقول الله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ‎﴿٣٧﴾‏} [آل عمران].

ولكني لا أجد أنّ نبيّ الله زكريا سألها في كل مرةٍ حين يَجلِب لها طعامًا فيجدُ عندها رزقًا - أنواعًا مِن الأطعمة - رغم أنّه كان يُلاحظ ذلك كلما دخل عليها المحراب يجلبُ لها الطعام، فكان يظنّ أنّ أحدَ أعمامها جلب إليها ذلك الطعام قبل مجيئه، فعلِمت مريم أنّ عمها كان يظنّ ذلك - أنّ مِن أعمامها مَن يجلب لها طعامًا - ولذلك تراه لم يسألها مَن جلَبَ لها طعامًا كونه لم يستغرب منه شيئًا، كون ذلك الطعام موجودًا في السّوق، ولذلك لم يسألها رغم أنّه يجد لديها طعامًا كلما دخل زكريا عليها المحراب، فعلِمت مريم أنّ سبب عدم سؤال عمّها كونه يظنّ أنّ ذلك الطعام أحضره لها أحدُ أعمامها؛ برغم أنّه ليس مِن عند أحدٍ مِن أعمامها.

وكان يُحضِر زكريا الطعام فيأكل مع مريم، فأرادت مريم ذات يوم أن تعمل مفاجأةً لعمّها زكريا - عليهم الصّلاة والسّلام - فأعدّت مَأدبة على مُختلَف أنواع فواكه الأعناب الأسود والأبيض - مُحبّبٌ وغير ذي حبوبٍ - وبرتقال ورمانٌ وبطّيخٌ والتّين وكافّة أنواع الفواكه التي يعلم عمّها زكريا أنّه ليس مَوسِمها ولا وجود لها إطلاقًا في السّوق، فأحضر عمّها طعامها بميقاتِ الغداء فتفاجَأ بمأدبةٍ في مِحرابها ضيافةً لعمّها زكريا فيها على مُختَلف أنواع المأكولات اللذيذة، وكذلك على مُختَلف أنواع الفواكه بكافّة أنواعها خصوصًا التي تعلم أنّ عمّها زكريا يعلمُ أنّه ليس موسِمها إطلاقًا ولا وجود لها في السّوق، فأصابته الدّهشة ممّا شاهده مِن مُختَلف أنواع الفواكه التي ليس مَوسِمها إطلاقًا؛ فهنا سألها مُندهشًا كيف فواكه طازجة لدى مريم ليس مَوسمها بل على مُختَلف أنواعها طازجةً طريّةً فقال: "يا مريم أنّى لكِ هذا ولسنا في موسم هذه الفواكه؟!"، فقالت: "أنه مِن عند الله إنّ الله يرزق مَن يشاء بغير حسابٍ"، فقال لها زكريا: "وكيف رزقِكِ الله فهل أحضر هذه الفواكهَ الملائكةُ مِن الجنة؟" فقالت مريم: "كلّا يا أبتي بل أنا مَن أصنع هذه الفواكه وكل ما تجده لديّ مِن طعامٍ فلم يُحضِره أحدٌ مِن أعمامي كما ظننتَ في نفسك، كونك تجد لديّ طعامًا كل يوم ولم تسألني مَن جلب إلَيّ الطعام فأردتُ أن أعمل لك مفاجأة"، فقال: "وكيف تَصنعين ذلك؟"، فقالت: "يا أبتي سَل ما في نفسك"، فطلبَ شيئًا كذلك لم يأتِ بعدُ مَوسِمه فأحضَرت ترابًا وماءً، وصنَعت مِن التّراب على هيئة ما طلبَه عمّها زكريا - تمرًا رُطَبًا جَنيًّا - فقالت: "اللهم اجعله رُطَبًا جَنيًّا"، فأجابها الله؛ فإذا ببراعم التّراب صاروا رُطَبًا جَنيًّا!، فقالت: "تفضّل يا عمِّي الحبيب" فتناول زكريا ما شاهده بأمّ عينه أنها صنعَته مِن ترابٍ مِن غير شجر نخيلٍ، فأكَل منه فوجده حقًّا رُطَبًا جَنيًّا حُلوَ المذاق كمثل الرُّطَب الجَنيّ المعروف حين ينضجُ، فشاهد قُدرة الله كيف أجاب الله دعاء مريم بفواكه مِن غير شجرٍ ورُطَبٍ بغير نخيلٍ، هنالك دعا زكريا ربّه بيقينٍ تامٍّ، وقال الله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ‎﴿٣٨﴾‏ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ‎﴿٣٩﴾‏ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ‎﴿٤٠﴾‏ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ‎﴿٤١﴾‏} [آل عمران].

فكان يُعيقُ يقينَ دعاء زكريا أنّ امرأته عاقرٌ أي: قاعِدٌ لم تَعد تحيض، ولكنّه أيقنَ أنّه حتى ولو كانت امرأته عاقرًا فسوف يُجيبه الذي أجاب مريم؛ فكيف أجابها الله بفواكه مِن غير شجرٍ ورُطَبٍ جَنيٍّ مِن غير نخيلٍ! إنّ ربّي على كل شيءٍ قدير، فدعا ربّه أن يهبَ له ذريّةً طيّبةً حتى ولو كانت امرأته عاقرًا فإنّ ربّي سميعُ الدّعاء على كل شيءٍ قدير، كونه وجدَ معجزات خارقة لدى مريم - عليهم الصّلاة والسّلام - ولذلك دعا ربّه في تلك اللحظة وهو مُوقِنٌ بالإجابة رغم أنّه يدعو مِن قبلُ ولكن كان يُعيقُ يقينَ الإجابة أنّ امرأته صارت عاقرًا قاعِدًا لا تحيض.

غير أنّ زكريا بسبب ما شاهدَ أمامه مِن مُعجزات إجابةً مِن الله لدعاء مريم، ولكننا لم نجد زكريا يتوسّط بالدعاء لربّه عن طريق مريم أن تدعو الله له أن يهَب له ذريّةً طيّبةً فهو يعلم أنّ ذلك شركٌ بالله بل دعا الله مباشرةً؛ هنالِكَ دعا زكريا ربّه بيقينٍ أنّه سيُجيبه لا شكّ ولا ريب كما أجاب مريم برغم عدم توفّر الأسباب الفيزيائيّة الطبيعيّة، وقال الله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ‎﴿٣٨﴾‏ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ‎﴿٣٩﴾‏ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ‎﴿٤٠﴾‏ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ‎﴿٤١﴾‏ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ‎﴿٤٢﴾‏ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ‎﴿٤٣﴾‏ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ‎﴿٤٤﴾‏ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ‎﴿٤٥﴾ ‏وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ‎﴿٤٦﴾‏ قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ‎﴿٤٧﴾‏ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ‎﴿٤٨﴾‏ وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ‎﴿٤٩﴾‏ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ‎﴿٥٠﴾‏ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ‎﴿٥١﴾‏} صدق الله العظيم [آل عمران].

وأمّا بالنسبة لنبيّ الله زكريا ففي مساء يوم الدّعاء؛ مساءَ ذلك اليوم طلبَ مِن زوجته الرَّفثَ فقال لها: "ليَهبَ لنا الله مِن لدُنه وليًّا"، فتبسّمت ضاحكةً فقالت: "لا يأسَ مِن رَوْحِ الله"، فلبَّت الطّلب - زوجة نبيّ الله زكريا - فكتبَ الله لهما يحيى، ومرّت ثلاثة شهورٍ وفي ذات يومٍ وهو قائمٌ يُصَلّي في المِحراب فبعدَ أن أنهى صلاته بدعاء القنوت لصلاة الفجر؛ فإذا بالملائكة يدخلون عليه المِحرابَ فتمثَّل جبريل رجلًا سويًّا، ثم أكمل صلاته - الفَجْر - فقال جبريل: "السّلام عليكم ورحمة الله"، قال: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، قال: "يا زكريا إنّا نُبشِّرك بغلامٍ اسمه يحيى لم نجعل له مِن قبلُ سَميًّا"، فأخذَته الدّهشة كونه حينها قد نسيَ أنّه دعى ربه وهو مُوقنٌ بالإجابة حتى ولو كانت امرأته عاقرًا قاعدًا لا تحيض، ولكننا نجده عندما جاءته الملائكة بالبشرى لم يَعُد اليقين كما كان حين الدعاء في لحظة الدعاء يوم شاهَد المُعجِزات ولذلك أخذته الدّهشة! كيف يكون له غلامٌ وكانت امرأته عاقرًا وقد بلغَ مِن الكِبَر عِتيًّا؟! ولكن الرّد على تَعجُّبه قد تنزَّل مع جبريل والملائكة - عليهم الصّلاة والسّلام - في عِلم الغيب أنّ زكريا سوف تأخذه الدّهشة مِن ذلك وقال الله تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا ‎﴿٧﴾‏ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ‎﴿٨﴾‏ قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ‎﴿٩﴾‏ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ‎﴿١٠﴾‏ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ‎﴿١١﴾‏} [مريم].

وذلك تمهيدًا للمُعجزة الكبرى لمريم - عليها الصلاة والسّلام - أن تحمل بغير زوجٍ يمسَسها ولم تكُ بغيًّا بل بكلمةٍ مِن الله (كُن فيكون) في نفس السّاعة حملًا وولادةً في نفس اليوم، ولم يكن بطلبٍ مِن مريم عليها الصّلاة والسّلام، ولكنه طلب أمّها فأجاب الله دعاء أمّ مريم كونها كانت تريد ذكَرًا فوضعَتها أنثى، ولكنّ الله ابتلى يَقينها وظنّها في الله فكأنّه لم يُجب دعائها حين وضعَتها أنثى وليس الذّكرُ كالأنثى، ولكن ظنّها في الله أنه أجاب طلبها ولكن كما يشاء هو سبحانه، ولذلك قالت: "والله أعلم بما وضعتُ فعسى أن يجعل الله فيها خيرًا لدينه"، وقال الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‎﴿٣٥﴾‏ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ‎﴿٣٦﴾‏} [آل عمران] صدق الله العظيم.

إذًا الذَّكَر (المسيح ابن مريم) إجابةً لدعاء أم مريم التي كانت تتمنى لو أنّها وضعَت ذكَرًا لتنفع به دين الله، وليس الذَّكرُ كالأنثى كون زوجها عمران بن يعقوب مات وهي حامل؛ رغم أن الله أجابها ولكن بطريقته المُعجِزة اللّاحقة نظرًا لقناعتها أنّ الله أجابها كون امرأة عمران وهبت لله ما في بطنها مُحرَّرًا فتقبّل منها إنّه هو السّميع العليم، وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ‎﴿٤٢﴾‏ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ‎﴿٤٣﴾‏ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ‎﴿٤٤﴾‏ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ‎﴿٤٥﴾ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ‎﴿٤٦﴾‏ قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ‎﴿٤٧﴾‏ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ‎﴿٤٨﴾‏ وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ‎﴿٤٩﴾‏ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ‎﴿٥٠﴾‏ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ‎﴿٥١﴾‏ ۞ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ‎﴿٥٢﴾‏} [آل عمران] صدق الله العظيم.

وأبَشِّر كافّة البَشَر بحفيد آدم - عيسى ابن مريم - عليهم الصّلاة والسّلام.

وربّما يَودّ أحد السّائلين أن يقول: "فكيف يكون المسيح عيسى ابن مريم حفيد آدم وهو ليس مِن ذريّته تصديقًا لقول الله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ‎﴿٥٩﴾‏ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ ‎﴿٦٠﴾‏} صدق الله العظيم [آل عمران]؟".

فمِن ثمّ يَردّ على السّائلين خليفة الله المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: إن الحفيد هو ابن بنتك وليس ابن ابنك، وأما البنين فهم الذُّكور الذين يَحمِلون ذريّتك تصديقًا لقول الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ‎﴿٧٢﴾‏} صدق الله العظيم [النحل]، كون الابن يَحملُ ذريّة النَّسَب لأبيه، وأمّا البنت فتحمِل ذُريّة الصِّهر، تصديقًا لقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ‎﴿٥٤﴾‏} صدق الله العظيم [الفرقان].

وسَلامٌ على المُرسَلين والحمد لله ربّ العالَمين..
صاحبُ عِلم الكتاب وفصلَ الخِطاب والقول الصّواب؛ خليفة الله على العالم بأسره الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
_________________
آخر تحديث: 15-12-2022 02:01 PM
2

تأكيدٌ؛ كُوفيد حَفَّارُ القُبور ..

- 2 -
الإمام المهديّ ناصر محمد اليمانيّ
18 - جمادى الأول - 1444 هـ
12 - 12 - 2022 مـ
04:59 صباحًا
(بحسب التّقويم الرّسميّ لأم القُرى) ___________


تأكيدٌ؛ كُوفيد حَفَّارُ القُبور ..


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Nadia
يقتلك الفضول أخي عصام بينما تشتعل نار الغيرة في قلبي على ربي منها، أنّى لها كل ذلك اليقين، تلك التي تصنع فاكهة من طين ثم تدعو الله ليحولها إلى فاكهة حقيقية! لو قمت لأفعل شيئا كهذا لسخرت من نفسي رغم علمي أن الله على كل شيء قدير! أنّى لكِ كل هذا اليقين يا مريم! ولماذا تتفوق عليا مريم في يقينها بإجابة دعائها إلى هذا الحد وأنا التي أعبد النعيم الأعظم ......

تم اختصار الاقتباس.
رابط الاقتباس:
https://mahdialumma.xyz/showthread.php?p=388200

تَعليقُ مُداخَلة عُظمى للفَصل مِن خليفةِ الله المهديّ ناصر محمد اليمانيّ، مسموحٌ للنشر رَدًّا على حَبيبة الله (الأنصارية نادية):

فهل لو تَحَقَّق يقينك هذا فخلقتي مِن الطّين كافَّة الفواكه والمأكولات وفَجَّرتي الأرض ينابيع تَفجيرًا فتقولين للأرض: "كُوني جَنَّةً خَضراء فيها مِن كُلِّ الثَّمرات بِنَفس الثَّمرات التي أُعِدَّت للمُتَّقين في جَنَّات النَّعيم"، وكذلك تَقولين: "كُوني ذات أنهَارٍ مِن لبَنٍ وعسَلٍ مُصفَّى وخَمرٍ لذَّةً للشاربين بإذن الله ربّ العالمين"؛ فكانت بإذن الله كما تريد نادية، بل وأتاك يقينُ كلمة قُدرَته فتقولين للشيء: "كُن"؛ فيكون بإذن الله، غير أنَّكِ عَلمتي حال ربّكِ: حزين في نفسه. فهل ترضين بهذه الكَرامات الخارِقة بسبب أنّ الله آتاكِ يقين الإجابة فتقولين للشيء كُن فيكون بإذن الله؟! فهل سوف تَكونين فرحةً مسرورةً فخورةً أنَّ ربكِ أعطاكِ شيئًا يَسيرًا مِن يَقين كلمة قُدرة الله كُن فيكون؟!

فاحسبيها بِشَكلٍ صَحيحٍ وسوف تَجدين الرَّد العَنيف في قلبكِ يتفَجَّر تفجيرًا فيقول لكِ قلبكِ: "أعوذ بالله أن أرضى بذلك كُلُّه ولا بملكوت الجَنَّة التي عرضها السَّماوات والأرض؛ بل إنّي أُعيذُ نفسي بالله أن أرضى حتى يَرضى في نفسه لا مُتحَسِّرًا ولا حَزينًا، فسُحقًا للكرامات عن بَكْرَةِ أبيها يا إمامي العَليم، وسُحقًا لجَنَّاتِ النَّعيم العَظيم مَهما كانت ومَهما تَكون، هيهات هيهات! ورَبّ الأرض والسَّماوات لا يُرضيني رَبّي بِملكوته أجمعين ولا بأمر الكاف والنون بِلا حدود في المُلك"، غير أنّي أجد أنّ في نفس ربّي حُزنًا وحَسرةً على عباده النَّادمين على ما فَرَّطوا في جَنبِ رَبّهم - الذين أهلكهم الله - كانوا ظَالمين لأنفُسهم فأصبحوا في نار جهنَّم خالدين، ولِكُلِّ نَفسٍ مِنهم قَولًا واحِدًا مُوحَّدًا كما أخبركم الله في قول الله تعالى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ‎﴿٥٦﴾‏} صدق الله العظيم [سورة الزمر].

وفي نَفسِ الوقت تَجدين رَبّكِ يقول في نفسه قَولًا خَفيًّا لا يسمعُهُ أحدٌ مِن عباده ولا حَملةُ عرشه الذين هم أقرَب الملائكة لذاته الإلهيّة؛ لا يشعرون بِما يقول الله المُستَوي على عرشه العظيم بالقول الخَفيّ في نفسه: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ‎﴿٣٠﴾‏ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ‎﴿٣١﴾‏} صدق الله العظيم [سورة يس].

فلا تَفتنكِ الغَيرةُ بِكرامات شَيءٍ يَسير كَرَّم الله بها - يقين كلمات الله - مريم ابنة عمران في شَيءٍ يَسير عن اليقين بمعرفة حقيقة النَّعيم الأعظم مِن ذلك كُلُّه أن يُحَقِّق لكِ رضوان نفسه ويُذهِبَ حال حسرته، فإذا كنتِ مَمَّن آتاهم الله مَعرفة حقيقة رضوان الله في نفسه - هو حقًّا النّعيم الأعظم - ما لم؛ فلماذا خَلَقَنا؟! فما تُغني الكرامات والمُعجِزات في مَلكوته وحتى ولو كانَت بِلا حدود؛ فحُبّكِ لربّكِ بِلا حدود في المُلك والملَكوت، فإن كُنتِ مِن عَبيد النَّعيم الأعظَم فسوف يسقط ذلك كُلُّه في نظركِ، فتجدين قلبكِ يُخاطِب ربّكِ بالدموع فيقول: "وما الفائدة مِن التَّكريم والكَرامات وكافَّة المُعجِزات وأحَبّ شَيءٍ إلى نفسي مُتَحسِّرٌ وحَزينٌ؟!" فتبًّا لكافّة الكرامات ألف تَبٍّ وتَبٍّ، وهيهات هيهات! وأُقسِم بذات الله العَظيم وبجميع أسمائه الحُسنى وصِفاته العُلى لن أرضَى بنعيم جَنَّاته التي هي ذات الفَوز العظيم مِن مَلكوت الدُّنيا حتى يرضَى رَبّي أحَبّ شَيءٍ إلى نفسي لا مُتحَسِرًا ولا حَزينًا، فلا أستطيع مُواصلة الحياة الآخرة في جَنَّات النَّعيم، فلا ولَن أفرح بِها وقد عَلَّمنا خليفة الله المهديّ ناصر محمد اليمانيّ عَن حال الله في مُحكَم كتابه مُنذ أمَدٍ بعيدٍ؛ مُنذ أن أهلَك الله الأُمَم الأُولَى بسبب إعراضهم عن داعيَ الحَقّ مِن رَبِّهم على لِسان رُسله فيُهِلكَهم مِن غَير ظُلمٍ، فأمَّا حالهم مِن بَعد هلاكهم فقد عَلَّمنا الله أرحَم الرَّاحمين بحالِهم مِن خلال نِداء الله لعِباده إلى الذين ظَلموا أنفسهم - فكونه الله أرحَم الراحمين - أن لا يستيئِسوا مِن رَحمَةِ الله، وأن يُنيبوا إلى رَبِّهم لِيَهدي قلوبهم قَبل أن يقول كُلٌّ مِنهم ما جاء مِن أخبارِهم في قول الله تعالى: {۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ‎﴿٥٣﴾‏ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ‎﴿٥٤﴾‏ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ‎﴿٥٥﴾‏ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ‎﴿٥٦﴾‏}‏صدق الله العظيم [سورة الزمر].

فَلَكَم قُضي الأمْر على كَثيرٍ مِن الأُمَم الَّذين أهلكهم الله على الحال مِن غَير ظُلمٍ مِن الله سُبحانه، ولَكِن الطامَّة الكُبرى هو حال الله في نفسه مِن بَعد هلاكهم يقول: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ‎﴿٣٠﴾‏ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ‎﴿٣١﴾‏ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ‎﴿٣٢﴾‏} صدق الله العظيم [سورة يس]، فهُنا تَذْرِفُ دُموعُ القَلب مُخاطِبَةً الربّ: "لماذا خلقتَنا يا أرحَم الرَّاحمين؟! فما الفائدة مِن مَلكوتك أجمعين وهذا حالك مُتحَسِّرًا وحَزينًا؛ رغم فتواك عن برائتك مِن ظُلم عِبادك في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ‎﴿٤٤﴾‏} صدق الله العظيم [سورة يونس]، وبِما أنَّكَ أرحَم الراحمين؛ فلا مَثيل يُوازي صِفة رحمتك في نفسك، فرغم أنَّك لم تَظلِم النَّاس شَيئًا ورغم ذلك تقول: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ‎﴿٣٠﴾‏ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ‎﴿٣١﴾‏ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ‎﴿٣٢﴾‏ } [سورة يس]."

فهُنا تَسقُطُ الغَيرة على الخلافة الشَّامِلة، وهنا يسقُط كافَّة التَّكريم والكَرامات وجميع خوارق المُعجِزات، وهنا تَسقُط الغَيرة مِن حَملَةِ العَرْش الثَّمانية لِقُربِهم مِن الذَّات الإلهيِّة بِالمَلإ الأعلى ومَن حولهم المُسَبِّحين بِحَمد رَبّهم غير أنّهم لا يعلمون بِما في نفس ربهم. فَفي الوَقفة في هذا المَوضِع يتدَمَّر مَلكوت الله تَدميرًا في نَظَر قَومٍ يُحِبُّهم الله ويُحبُّونه، وأقسم بِما أعلمه ويَعلمون أنَّهم شَديدو المحال أن يرضوا بالكَرامات وكافَّة المُعجِزات الخارِقة لا في الدُّنيا ولا في الآخرة حتى تتحقَّق الحِكمة مِن خلقهم؛ فيرضى أحَبَّ شَيءٍ إلى أنفسهم مِن المُعجِزات وكافَّة آياته الخارِقة في ملكوت الدُّنيا والآخِرة.

ويا حبيبة الله نادية فلا تَفتنكِ غيرتكِ مِن كرامات الصِّدِّيقة مريم عليها الصّلاة والسّلام، فهذه اسمها غَيرة فترين أنَّكِ أَولَى أن تَصنعي مِثلها أو يؤيِّدك الله بِشَيءٍ مِن يقين كلمات قُدرته مِن بعد أن أتاك الله اليَقين مِن أعظم مِن ذلك وهو اليقين بحقيقة اسم الله الأعظَم صِفة رضوان الرَّحمن على عبادِه، فوجدتي أنّه حَقًّا النَّعيم الأعظَم مِن نَّعيم جَنَّته فَمِن ثمَّ اتَّخذتيه غايةً، فاتَّخذتي عِند الرَّحمن عَهدًا أن لا تَرضي حتى يَرضى.

فراجِعوا حِساباتكم أحِبَّتي الأنصار السَّابقين الأخيار؛ فإنّي أرى أحيانًا حينَ أُكَلِّف أحدًا مِنكم بِمُهِّمة - ليست تَشريفًا وإنَّما تَكليفٌ - فكأنّي أرى في أنفُس بَعضكم شَيئًا، إذًا فماذا أنتُم فاعِلون حين تَوزيع المناصِب مِن بَعد الظهور والتَّمكين؟! فوالله إنَّ مِن قَومٍ يُحِبُّهم الله ويُحِبُّونه في هذه الأُمَّة - فبرغم حُبّهم العَظيم لخليفة الله المَهديّ ناصر محمد اليمانيّ - لو أُكَلِّفه (مُكَنِّس شوارع) لوجدَ في ذلك مُتعَةً في نفسه؛ فترضى نفسه مُتَمَتِّعًا قَلبه بطاعة الله وخليفته، فلا تهمّه المَنَاصِب في مَنَاكِب مَلكوت العالمين؛ بل ما يهمّه: (رِضى الله بطاعة خليفته وبس) فذلك مُنتهَى أمله وأملها في هذه الحياة الدُّنيا، ونادية مِنهم، فكوني مِن الشَّاكرين يا حبيبة الله، وكونوا مِن الشَّاكرين يا معشَر قَومٍ يُحِبُّهم الله ويُحِبُّونه؛ فلا تُبَدِّلوا تَبديلًا، وسَلوا الله التَّثبيت حتى لا يُغوِيَ الله قلوبَكم مِن غَير ظُلمٍ، فهل أغوى الله قَلب إبليس إلَّا بسبب الغَيرة على تكريم الله لِآدَم؟ ولذلك قال: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ‎﴿٦١﴾‏ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ‎﴿٦٢﴾‏ قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا ‎﴿٦٣﴾} صدق الله العظيم [سورة الإسراء].

ولَكِن قَومًا يُحِبُّهم الله ويُحِبُّونه لو يصرف لهم خليفة الله المهديّ ناصر محمد اليمانيّ (مَكانِس) لتنظيف الشوارع في دُوَل العالَمين لوجَدوا في ذلك مُتعَةً تَواضُعًا لله جَزاءً مِنهم بالإحسان إلى ربِّهم الذي أحسَن إليهم وكَرَّمهم بيقين حقيقة اسم الله الأعظم، وما أكرمهُم وما أعلَى مقامهُم عِند مَليكٍ مُقتَدِرٍ بِسبب أنّه أتَاهم يقين حقيقة اسم الله الأعظَم وهم لا يزالون في الحياة الدُّنيا فوجدوه حقًّا النَّعيم الأعظم مِن جنته لا شَكَّ ولا رَيب، فاتَّخَذوا عِند الرّحمن عهدًا: (أن لا يرضوا حتى يرضى)، فَلَكَم أولئك شَديدو المحال أن يَرضوا حتى يَرضى.

واقترب الظَهور، وأقول: اللّهم إنّي عبدك مُستَيِئسٌ مِن هدى عِبادك بالآيات والمُعجِزات الخارِقة رغم تأييدك لعبدك بِملكوت البَعوضة الخَفيّة وما فوقَها؛ فكفَروا بِحرب الله الكَونيّة بِقارعة حرب الله المناخيّة جَوًّا وبَحرًا وَبرًّا، فعلَّمتهم أن يَعلَموا عِلم اليَقين أنَّ الذي أرسل عليهم حَرب قارعة المناخ هو ذاته الذي أرسل عليهم قارِعة حَرب جنوده الكورونيّة المُتَمَثِّلة في حَرب الله بجنود السُّلالات الدَّمويّة التي تتفوَّق عليهم في القُدرات العِلميّة، فما زاد المُجرمين مِنهم إلَّا تَكبُرًا وغُرورًا، وسِيئَت وجوههم بسبب بَعث خليفة الله المهديّ ناصر محمد اليمانيّ، أولئك كَرِهوا ما أنزَل الله في مُحكَم كتابه بالحَقِّ وهم للحَقِّ كارِهون، وأقول بأمر الله لهم: مُوتوا بِغيظكم أجمعين. ذلك بأنَّهم اتَّبعوا ما يُسخِط الله وكَرهوا رضوانه، ولسوف يُحبِط أعمالهم أجمعين، وأقول لهم: مُوتوا بِغيظكم، فهدفي في نفس الله وهدف أعداء الله في نفس الله هدفان مُتَناقِضان.

اللّهم إنَّك تعلم أنّه مَن كان عَدوًّا لَك يصُدّ عن تحقيق رضوان نفسك فإنّ عبدك مِن ألَدّ الخِصام لهم في المَلَكوت كُلّه، اللهم اجتثهم مِن المَلَكوت كشَجرةٍ خَبيثةٍ اجُتَثَّت مِن فوق الأرض كَما اجتَثَثْت شَجَرة الزَّقوم يا حَيّ يا قَيوم، اللّهم عَجِّل لهم بِقِطِّهم واجعل الخَبيث بَعضه فَوق بَعضٍ واركُمه في نار جهنَّم أجمعين إنَّك أنت السميع العليم، اللّهم وإنّي عبدك أسألك بِحقّ لا إله إلَّا أنت وبحقّ رحمتك التي كتبت على نفسك وبِحقّ عَظيم نَعيم رضوان نفسك أن تهديَ ما دون ذلك من عبادك مِن الجِنِّ والإنس ومِن كُلِّ جِنس إنَّك رَبّي سَميع الدُّعاء.


وسَلامٌ على المُرسَلين والحمدُ لله رَبِّ العالمين..
خليفةُ الله على العالَم بأسرِه الإمام المهديّ؛ ناصر محمد اليمانيّ.
___________
آخر تحديث: 15-12-2022 02:16 PM
3

- 3 -
الإمام المهديّ ناصر محمد اليمانيّ
21 - جمادى الأول - 1444 هـ
15 - 12 - 2022 مـ
08:05 صباحًا
(بحسب التّقويم الرّسميّ لأم القُرى)



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة pishco
مكان ذلك الكتاب (اللوح المحفوظ) في مكان علي عند رب العالمين
فهل يكرر الإمام الإسراء والمعراج ليأتينا بهذا الكلام؟ ألا ترى ان دائرة علم الإمام أصبحت أوسع من علم الكتاب (القرآن الكريم) ومنهجه في تفسير القرآن بالقرآن بكثير؟ ......
تم اختصار الاقتباس.
رابط الاقتباس:
https://mahdialumma.xyz/showthread.php?p=402229


مُجرَّدُ تَعليق للسّائل الذي لم يُتِمَّ الله له بَعد نوره: فهل تَرى مِن المَنطِق أنَّ نبيَّ الله زَكريا دعا الله أن يهَبَ لَه ذُريَّةً طيِّبةً (إنَّك سَميع الدُّعاء) بسبب إرسال الملائكة بفواكهٍ مِنَ الجنة؟!

بل شَاهَد مُعجِزةً خارِقةً للفيزياء وهي أنَّ مريم تَصنَع ثَمَرًا بِدون شَجَرٍ، وبِما أنَّ زوجته عاقِرٌ قِاعدٌ مِنَ الحَيض فهذا في عِلْم الفيزياء يَستحيل أن تحمَل وهي مِنَ القواعِد لا تَحيض، وبِما أنَّ نبيَّ الله زَكريَّا شاهَد ثَمَرًا مِن غير شجرٍ صنعته مَريم أمام عَينيه ولذلك آتاه الله يَقين الدُّعاء في تِلك اللحظة رَغْم عِلمه أنَّ زوجته عاقِرٌ، ولكن كان في لَحظة يَقينٍ أنَّ الله الذي خَلَق ثمرًا مِن غير شَجَرٍ بقادرٍ أن يهَبَ له ذُريَّةً مِن زوجته رَغم عِلمه أنَّها تجاوزت الأسباب الفيزيائيَّة التي يُؤخَذ بها في الحالات الطبيعيّة لأسباب الحَمْل الطبيعيّ قَبْل أن تكون مِنَ القواعد فتدخل سِنّ اليَأس مِن الحَمْل الطبيعيّ إلَّا بمُعِجزَةٍ خارقةٍ، ولكنَّ حملها سوف يكون خارِقًا للفيزياء الطبيعيّة بِمُعجِزةٍ خارِقةٍ مِنَ الله في حمل المرأة مِن بعد أن تبلُغَ سِنَّ القواعد وانقطاع الحَيْض، ولكنّ نبيّ الله زكريَّا دعا بيقينٍ أنَّ الذي أجاب مَريم فرزقها بثَمَرٍ مِن غير شَجَرٍ بِقادرٍ على أن تحمَل منه زوجته رَغم بلوغها سِنَّ اليأس، ولذلك قال الله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ‎﴿٣٨﴾‏ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ‎﴿٣٩﴾‏ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ‎﴿٤٠﴾‏} صدق الله العظيم [سورة آل عمران].

خليفةُ الله المَهديّ ناصر محمد اليماني.
_____________
آخر تحديث: 29-12-2022 12:03 PM